13 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ زمن لن يقبل بأن نصفه بـ (البعيد)، وحين كانت الأوضاع بخير، وقبل أن يغيب أبي (شفاه الله) عن الوعي، تماماً كما هو حال هذه الدنيا الآن، حين غابت عن الوعي، وصارت لا تدرك ما يحدث فوق رأسها، كان أبي كثيراً ما يردد هذا الدعاء (اللهم ارحم الإسلام والمسلمين)، ويحثنا على ذلك، وبحكم رخاء الأوضاع من حولنا حينها، لم نكن لندرك قيمة الدعاء فعلاً، إضافة إلى أن المرحلة العمرية كانت تجعلنا نرى الدنيا (زهرية) من كل جانب، وليتها ظلت كذلك، فما يحدث الآن يجعلنا نتأكد أننا بأمس الحاجة إلى هذا الدعاء (اللهم ارحم الإسلام والمسلمين)، فحالنا يختلف بدوران الأرض، فحين تشرق شمس الأمان على نصفنا، تغيب عن النصف الآخر، الأمر الذي يجعلهم يواجهون من هموم الحياة ما تتقزم من أمامه همومنا التي نعاني منها، وليس في ذلك نية؛ لتحقير ما يشغل بالنا من هموم، ولكن نية لتعظيم الحالة المأساوية التي يعانون منها، وتجعلهم أكثر تعاسة منا، لا يهون عليهم تعاستهم تلك سوى ما يشغل قلوبهم من إيمان، وما نحمله لهم من رحمة في قلوبنا تحثنا على الدعاء لهم كل الوقت، فالحق أنهم في أمس الحاجة لهذا الأخير الذي يعد خير وجه لكل وأي دعم نحتاجه كبشر. إن ما يحدث من حولنا ويستنفد مشاعرنا وقدرتنا على الصبر والتحمل، هو القدر الذي قدره الله لنا؛ ليختبر به صبرنا، والقصد من ذلك هو أن يتضاعف إيماننا أكثر، وتتشبث قلوبنا بالرحمة أكثر وأكثر، لا أن نعتاد ما يحدث وإن (عَظُم) حتى نصل لمرحلة تنهش اللحم وتكسر العظم، وتقضي على كل شيء متى بدأنا نلخص كل ما يحدث فيها بكلمة واحدة هي (عادي)، رغم أنه ليس كذلك، ولابد وأن نؤكد على حقيقة أنه لن يكون كذلك بتاتاً بالنسبة لنا؛ لأنه لا يعكس إلا عقوق الموقف، الذي لابد وأن يستوقفنا جميعاً؛ للسؤال عن الدور الذي نقوم به في الحياة؛ كي ننهض بمن وقع؟ ومن ثم السؤال عن قدرتنا على إصلاح الأمور وتحويلها للمسار الصحيح، وغير ما سبق من أسئلة لابد وأن ننكش بها رؤوسنا دوماً؛ لنخرج بإجابة مُرضية توفر علاجاً يُخرجنا من الحالة (المرضية) التي نمر بها، ونسأل الله العون؛ كي نتخطاها تماماً. إن ما ذكرته سلفاً في مقالي هذا، لا ينكر كل عمليات الإصلاح التي نسمع بها، ونرى نتائجها الفعلية من أمامنا، بل على العكس يحمل في جوفه كماً من الشكر لهم على ما قد بدر منهم، وكماً من العتب في ظاهره لمن يتجاهل دوره في هذه الحياة فيما يتعلق بمن حوله؛ ليتذكر أمر نفسه، وينشغل به دون أن يلتفت لغيره، ويفكر بهم، وبكيفية مساعدتهم خاصة أننا في زمن تكثر فيه أشكال المعاناة، وتقل فيه القدرة على تحقيق ذلك سريعاً، وهو ما جعلنا نتألم كثيراً ونشعر بألم الضغط كل الوقت؛ لنلتفت إليه ونعطيه من اهتمامنا الكثير من وقتنا، الذي نحتاجه؛ لتحقيق ما يتوجب علينا تحقيقه. وماذا بعد؟ هي سويعات تلاحمت وامتدت؛ لتبدو لنا كأيام تفصلنا عن شهر رمضان الكريم، الذي (نسأل الله بأن يتقبل فيه طاعاتنا وعباداتنا، ويأخذ منا وعنا كل الأعمال الصالحة؛ لنؤجر عليها، وما دون ذلك فنسأله المغفرة عليه، اللهم آمين)، نعم هي سويعات فقط وندخل من بعدها على مرحلة نقية تتطلب (نقاء النفس)، الذي يجدر بنا بأن نتمتع به طوال العام، ولكننا بأمس الحاجة إليه في هذه المرحلة؛ لنقدم ونعطي ما أهو أكثر وأكبر، وسيعود بنفعه علينا وعلى غيرنا أيضاً، وعليه فلنبتكر عملاً يخدم أكبر شريحة منا وبشكل فعلي، نبذل من أجله جهدنا في الخفاء؛ لنكسب نتائجه في العلن، فلنفكر بعملٍ نؤجر عليه طوال العام، ولتكن البداية من هذه اللحظة وهذه البقعة Here and now؛ كي نخدم ونُخدم، فهو بإذن الله ما سيحررنا من التفكير بنا (فقط)؛ لنفكر بمن حولنا بحكم أنه ما يجب بأن يكون. أخيراً، (الرحمة) مبدأ كل مسلم في هذه الحياة، فهي كعملية تبادل، نعطي فيها؛ لنأخذ، ومن يرحم يُرحم بإذن الله، وعليه فلنبدأ بها هذه الرحمة من هنا، وكل عام ونحن والإسلام بخير.