03 نوفمبر 2025
تسجيليشكل الإعلان عن تدشين أول خطة استثمارية على مستوى الإمارات تطورا لافتا وصحيحا خصوصا في ضوء تراجع ترتيب الإمارات في بعض المؤشرات الدولية ذات الصلة وعلى الأخص جلب الاستثمارات والتنافسية. تم الكشف عن الخريطة الاستثمارية الشهر الماضي على أن يتم إطلاقها بشكل رسمي ومتكامل في شهر نوفمبر المقبل. ويمكن تفهم عملية إطلاق الخطة في وقت متأخر من العام الجاري بغية تطوير بعض القوانين على مستوى البلاد لضمان البدء الصحيح للمشروع الحيوي والذي يندرج في إطار رؤية الإمارات 2021، وقد تبين من تجربة أزمة مديونية دبي في نهاية 2009 بأن الإمارات بحاجة لتطوير بعض القوانين حتى يتسنى لها توفير الثقة اللازمة لاستقطاب أنواع مختلفة من الاستثمارات الأجنبية فضلا عن ضمان بقائها. تتميز الخطة بشمولية وتنوع القطاعات والصناعات المستهدفة حيث تشمل صناعة الألمنيوم والسيارات والطيران وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات المالية والإلكترونيات والهندسة والتكنولوجيا الصناعية والرعاية الصحية والبتروكيماويات والتعليم وصناعة المعرفة والأدوية. وعليه، تتمحور الخطة حول نقل التقنية وتعزيز اقتصاد المعرفة أي أمور حيوية في عصر العولمة. لاشك أن الوقت كفيل لكشف قدرة الإمارات على استقطاب تشكيلة واسعة من الاستثمارات الأجنبية خدمة لتحقيق بعض الأهداف الاقتصادية. بل من شأن استقطاب استثمارات متنوعة المساهمة في تحقيق بعض الأهداف الإستراتيجية من قبيل إحداث تنوع اقتصادي بعيدا عن الاعتماد على القطاع النفطي، في الوقت الحاضر، يعد القطاع النفطي حجز الزاوية فيما يخص دخل الخزانة العامة والتصدير، وربما زادت أهميته النسبية في السنوات القليلة الماضية على خلفية ارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة. يساهم القطاع النفطي نحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة العامة من والصادرات من جهة أخرى الأمر الذي يجعل الاقتصاد الإماراتي تحت رحمة تطورات والتعقيدات المرتبطة بسوق النفط العالمية. كما توفر الاستثمارات الأجنبية المستهدفة فرص عمل للمواطنين والذين بدورهم قد يقبلون العمل في مجالات واعدة خارج القطاع العام، كما هو الحال مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي، تعاني الإمارات من ظاهرة تمثيل المواطنين دون سن العشرين لنحو نصف السكان وذلك على خلفية النمو السكاني المرتفع نسبيا أي في حدود 3 في المائة. تشكل البطالة في أوساط المواطنين خطرا استراتيجيا بشكل عام. وهناك تميز آخر للخريطة الاستثمارية عبر تركيزها في المرحلة الأولى والتي تمتد لسبع سنوات لاستقطاب استثمارات من 11 دولة فقط وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وألمانيا وإيطاليا والصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل والأرجنتين وتركيا. يعتمد الاختيار على متغيري القدرة على توفير تقنيات متطورة ووجود فائض في ميزان الاستثمارات الأجنبية، لكن في الوقت الذي يمكن تفهم اختيار البرازيل لا يمكن بالسهولة قبول وضع الأرجنتين على القائمة، وربما كان من الأفضل اختيار تشيلي والتي بدورها تعد أكثر اقتصاديات جنوب القارة الأمريكية تنافسية. بيد أنه يلاحظ غياب دول مثل فرنسا رغم تميزها الاقتصادي كونها ضمن الدول الصناعية الكبرى ولها باع في مجال تصدير التقنية المتطورة خصوصا في مجال الخدمات. يشار إلى أن بعض الشركات الفرنسية العاملة في مجال البيع بالتجزئة مثل (كارفو) و(جيان) تلعب دورا لافتا في مجال عملها في دول مجلس التعاون الخليجي.وربما يمكن تفهم غياب كندا العضو في مجموعة الثماني من حزمة الدول المراد استقطاب استثمارات منها، حيث يمكن ربط الأمر بالخلاف الذي شب بين الجانبين في أعقاب رفض السلطات الكندية منح المزيد من حقوق الهبوط للطائرات الإماراتية في المطارات الكندية. وفي كل الأحوال، يجب التركيز على القدرة وليس السياسة. الغياب الآخر اللافت هو لسنغافورة رغم التقدم النوعي لهذا البلد الآسيوي في العديد من المجالات خصوصا التقنية. لكن يمكن تفهم عدم وضع روسيا ضمن الدول المستهدفة لاستقطاب التقنية منها كونها بدورها تعمل على جلب مختلف الاستثمارات الأجنبية لتطوير اقتصادها بعد عقود من الاقتصاد الاشتراكي. كما أسلفنا، يمكن تفهم توجه الإمارات لوضع خريطة استثمارية مدعومة بقوانين عصرية بهدف استقطاب استثمارات متطورة وذلك بالنظر للتراجع الذي حصل لأداء الدولة على بعض المؤشرات ذات العلاقة في الآونة الأخيرة. فقد تراجع ترتيب الإمارات من المرتبة الثانية إلى الثالثة على مستوى دول مجلس التعاون في تقرير الاستثمار الدولي للعام 2010 ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو الأونكتاد. فحسب التقرير، انخفض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للإمارات من 13 مليار دولار في 2008 إلى 4 مليارات دولار فقط في 2009. ويعود هذا التراجع لأمور مثل بطء إجراءات تحديث قوانين العمل التجاري خصوصا الإفلاس والإعسار، والتي باتت مهمة في أعقاب الأزمة المالية العالمية والتي تجلت في 2008 من جهة وأزمة مديونية دبي والتي ظهرت للعيان في نهاية 2009. وفي المقابل، زادت قيمة الاستثمارات الأجنبية الواردة لقطر في العام 2009 لأكثر من الضعف إلى 8.7 مليار دولار وعليه حلت مكان الإمارات في المرتبة الثانية بين الدول العربية قاطبة بعد السعودية. استقطبت السعودية استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 35.5 مليار دولار أي نحو 52 في المائة من قيمة الاستثمارات الواردة لمنطقة غرب آسيا.إضافة إلى ذلك، تعرض الاقتصاد الإماراتي لنكسة أخرى على مؤشر التنافسية الاقتصادية للعام 2011-2011 ومصدره المنتدى الاقتصادي العالمي. وبشكل أكثر تحديدا، تراجعت الإمارات مرتبتين إلى الرقم 25 دوليا الأمر الذي سمح للسعودية بحلول مكانها في المرتبة الثانية على مستوى العالم العربي بعد أن نجحت المملكة بالتقدم سبع مراتب وعليه حلت في المرتبة 21 دوليا. بدورها، حلت قطر في المرتبة 17 دوليا أي الأفضل بين الدول العربية. ختاما، يكمن التحدي في تحويل أهداف الخطة إلى واقع ملموس.