15 سبتمبر 2025
تسجيلليست سيدة.. ليست زوجة.. ليست أماً.. إنها...أمي وضحى.. هل جربتم ألم اليُتم مبكراً؟! لقد فقدنا والدينا في سن مبكرة جداً مقارنة بذوينا، ولأسباب مختلفة فبقينا ثلاث فتيات وطفلا. أكبرنا في سنته الجامعية الثانية، ومع ذلك تابعنا تربية أنفسنا بأنفسنا دون اللجوء أو الاعتماد على أحد.. ومرت السنون... كان حفل الزفاف ملكيا، وكوننا لم نعتد الاختلاط بالناس، فعلينا المغادرة، وكيف لنا بذلك قبل رؤيتها، السلام عليها وتقبيل رأسها. احتضنت يدي بين كفيها: -أنت بخير؟!! -الحمدلله بخير ونعمة. جذبتني من كفي، فجلست على الأرض أمام ركبتيها لأسمع صوتها من بين الضجيج تقول: -أنا أمكِ.. لا تكذبي علي وقولي لي الصدق. أهل زوجك زينين معك؟!! -اي يمه. -تحلفين؟!! -والله العظيم يا يمه زينين معي. ربتت بأناملها على خدي وهي تقترب مني لتقول: «لا تحسبون إن مالكم ظهر ولا سند، أنتوا مهب يتامى، إحنا أهلكم وناسكم، إحنا ظهركم وأبوانكم وإذا بغيتوا أي شي..أي شي.. اتصلوا وقولوا يا يمه وضحى، فهمتي؟» تجمدت عيناي عليها.. «يمه وضحى»! فجأة.. ارتفع ذلك الجبل الشامخ ليسند أظهرنا ماحياً معه مرارة اليتم تلك.. وقف شاهقاً لتختفي معه سنوات الوحدة.. تحولت مرارة اليتم إلى قوة طاغية، نعم.. لسنا مقطوعات من شجرة، نعم لسنا يتيمات أو وحيدات.. يمكن لنا أن نلجأ لها في أية لحظة، وفي أي شيء.. صدق حدس والدي.. بل صدق حسن ظنه بها، عرف كيف يميز البشر وهو الجاهل الذي لم يقرأ حرفاً في حياته فلقد ميزها دوناً عن غيرها من الكثير.. شيء عجيب طوقتنا بهالته الفخمة من الفخر والقوة فتشعر بأنك قوة جبارة يستحيل كسرها. لا نعرف.. لكنه استمر معنا لأيام بل لأشهر وسنوات طويلة.. واختفينا، لا لشيء!! لكننا لم نعتد أن نطلب من أحد حاجتنا، لم نعتد أن نعتمد على أحد سوى أنفسنا، لم نعتد أن نوكل أمورنا إلى أحد غيرنا من بعد الله مكتفين بثلاثتنا وشقيق، هكذا رُبينا، وهكذا عودنا أبي.. 17/06/2021 - الخميس. صدمة وداع.. كم هو مفجع خبر رحيلها المفاجئ، ظننته تشابه أسماء، قد يكون خطأ، لكنها الحقيقة المرعبة، كنا ننتظر خبر شفائها على أمل زياراتها مجدداً، لكنها رحلت تاركة خلفها قلوبنا منكسرة يُثقلها الحزن ندعو لها باستمرار، قامت بالكثير الكثير للجميع، ولم تُقصر في شيء مع أي كان. إنما تلك الكلمات؟!! كانت أغنى وأجمل وأقوى من أي سلاح يمكن أن يلجأ إليه أي كائن حي من بعد الخالق. عذوبتها وهي ترن في أذني قوية، واضحة، وسط معزوفات الفرح السعيدة بالعروس الجميلة، كانت ترن بنعومة فريدة طغت على صوت المحيط الجميل، فهل يوجد ما هو ألذ وأكثر نقاوة من ذلك؟، إنها أمي وضحى. فماذا فعلت يا يونيو؟، لماذا أوجاعك أكبر من أفراحك هذه المرة؟، فعلاً.. الطيب لا يبقى، وما أطيبها من روح خالدة في قلوبنا. جعلها الله من سكان أعلى درجات جنانه.. اللهم إنا نستودعك روحها الطاهرة فلقد أصبحت أحد ضيوفك الكرام.. فهي كانت وما زالت (أمي وضحى) رحمة الله عليها.