12 سبتمبر 2025

تسجيل

الطيران بجناح آخر

17 يونيو 2015

يعرف المتابع للإبداع العربي موقع الأدب التونسي كرافدٍ مهمّ، في أسماء ذات قيمة رمزية في المشهد العام تبدأ من أبي القاسم الشابي ثم محيي الدين خريّف وفتحي آدم وأولاد أحمد والمنصف المزغنّي وغيرهم، ولكنه سيلحظ خفوت صوت الرواية والسرد عموماً. لأكثر من سبب ردّه شكري المبخوت إلى استئثار الكتابة الفرنسية بموهوبي النثر وأسمائه اللامعة. لكنّ المتابعين سيرون تدفق السرد التونسي في السنوات الأخيرة عبر أصوات كثيرة ككمال الرياحي صاحب الصوت المنفرد، وشكري المبخوت الذي أعادت روايته "الطلياني" الاعتبار إلى السرد التونسي ولفتت الانتظار إلى وجوب الاهتمام المشترك من القارئ والناشر والإعلام إلى هذا الرافد العربي المتميز، كما يجب القول إن تونس كانت حاضرة في روايات عربية في الوقت ذاته لعلّ آخرها رواية المصري وحيد الطويلة "أبواب الليل".أقدّم هذا في سياق حديثي عن مجموعة قصصية لكاتبة تونسية شابة، هي فائقة قنفالي بعنوان "الطيران بجناح آخر" من إصدار هذا العام، وفيها نكتشف صوتاً سرديا جميلاً، يضيء لنا عوالم تونس، وبخاصة الشريحة المثقفة في البلاد، وهمومها وانشغالاتها، في خمس عشرة قصة قصيرة، تكثر فيها عوالم المثقف بخيباته وهزائمه، منذ القصة الأولى "خارج المحطة" وهي تعيش "جوّانيات" بطلتها الكاتبة وهي تتأمّل انكسارها في الحبّ، إلى بطلة "أصابع قدميها" وكأنها البطلة السابقة ذاتها، إلى "شغف" القصة المميزة بحقّ، وهي تترجم المجرّدات إلى سلوك مدهش ينتمي إلى رومانسيات القرن التاسع عشر في الروايات الأوربية.أبطال فائقة قليلون، يستمتعون جيداً بالمساحات التي خصصتها لهم، بعيداً عن الضجيج، أبطال بعيدون عن غلاء الأسعار والشوارع المزدحمة، ومعاناة اليومي، أبطال يفلسفون اللحظة، في مساحات تأمّل تذهب في الشعرية كثيراً، وفي حقول البلاغة المدهشة، تقارب الجمال، وتتعثر بقارئها في حقول أصحابه :" أحلام مستغانمي- أميرة الحسيني- هرمان هيسه- فان غوغ- سان جون بيرس- خالد حسيني- جيل دولوز- وديع سعادة" عدا كثر من الإشارات الثقافية. ولا تنسى الكاتبة أن تشير إلى مظلومية المرأة رغم أنها في تونس أحسن حالاً، كما في قصة "هي وابن الناس" وإلى أثر التكنولوجيا في حياة الناس كما في قصة "وحيدة كعادتي".