04 أكتوبر 2025

تسجيل

من النصوص المعدلة

17 يونيو 2013

سقطت السيرة الذاتية للمدرس الغريب على أذنيها بعنف أخاذ مجلجل، ضاعف من جريرة عمرها الوقور، أحاله إلى عمر مراهق. توغلت بعينيها في  التاجر  المتعاون لعدة ثوان فقط ثم شتمته. شتمته بجمل كذابة للغاية طليت بماء الصدق، يعرف جملها الشاتمة الحقيقية، رآها تحك يديها وشعرها، وتخرج من عنده بغضب راضٍ مطلي بماء عدم الرضا، يعرف غضبها الحقيقي جيدًا، تضرب وتجرح، تقع على الأرض وتقوم، وتبث هستيريا غريبة، ولا تترك بؤرة الفوران حتى حضور أكبر جمهرة فضولية، وأوسع آذان ريفية، وأعتى سلطة محلية. في إحدى المرات  كانت عنده، وطالبها بمئة جنيه مستدانة، استدانتها  من عنده بنعومة شديدة، وركدت في تناسيها عدة شهور، ولم تردها، بالرغم من أنها لم تنقطع عن زيارة دكانه في أي يوم من الأيام. قال: أريد جنيهاتي يا حورية مصلح،  أحتاجها لتكملة نقود صفقة ملحة، وتعرفين الأحوال في هذه الأيام. ذلك اليوم استيقظ غضبها الحقيقي كاملًا، وقعت على الأرض وقامت، مدت لسان الشبق حتى القاع، وأيادي الأظفار الطويلة المدهونة بالمانيكير، جرحته في مواضع كثيرة من جسده، كان أوجعها الجانب الأيسر من وجهه الذي لا ينام إلا عليه، وكان في ذلك اليوم دائنًا بلا أمل في سداد دين، مسجونًا لعدة ساعات في سذاجة الشرطة الريفية، التي اتهمته بالتحرش،  مؤرقًا ومحمولًا على شماتة البلدة كلها. وحين أراد صديقه  المحجوب  صائغ العرائس، القادم من  الشمال أيضًا، أن يدخل إلى المعضلة مدافعًا عن صديقه، ويزجر المرأة بلسانه فقط، اخترعت خربشات على جسدها الرشيق الشحم  نسبتها إلى أظفاره التي كانت مقلمة ومصقولة، ولا يمكن أن تعض، وكانت فديته في ذلك اليوم خاتمًا على شكل ثعبان، من ذهب حر نقشه بتذمر  وقرف، وتحت وابل من رصاص عينيها. وفي السنة التي سميت بسنة  الضرر  نسبة لخمول المطر، وعنوسة الأرض بسبب جفاف نهر المبروك الموسمي الذي يسقيها، وارتداء الريفيين لحلل النحافة والوسواس وسوء التغذية، وانتشار مرض العشى الليلي، والكساح، وبلوغ عدد الأرامل والمطلقات، والعازبات معدلات تنذر بالبصق على وجه المجتمع، ظهر " هندوب  عيسى الأتمني" سليل قبيلة الأتمن الشرق – أفريقية التي تحتل مكانة كبيرة  بين القبائل المترحلة في البلاد، وتعرف بقوة الرجال، وإجادتهم لنظم الشعر. كان قادمًا من ضواحي مدينة كسلا، من منطقة غنية بالأمطار والهواء الذي ينعش الروح، يحمل وجهًا مليحًا، وجسد فارس مكتمل البنيان، وقلبًا سلسًا، ونبوءة معقدة لعجوز من قبيلته، عرفت بصدق التنبؤات، وأنها ما رددت شيئًا، إلا صدق في ما يأتي من أيام، صهرت تلك النبؤة احتماله، ودحرجته عاشقًا مجنونًا إلى تلك البقاع،  يحمل في مخلاته مهرًا لامرأة، لم يسمع بها من قبل أبدًا. قالت العجوز وهي تعترض فروسيته وشاعريته في أحد الأيام، وتدس في قلبه جنينًا معقد الملامح: اسمع يا فارس،  زوجتك وحبيبة قلبك، عند العمدة  صابر علي، زوجتك اسمها  سكر البيت، الحقها قبل فوات الأوان، لأن عدد خطابها أكثر من شعر رأسك. قال متلهفًا: صفيها لي يا خالة أرجوك. ردت: لا أستطيع يا فارس. سأل : وأين العمدة صابر علي هذا؟ ردت بمكر: ستجده ذات يوم، ارحل فقط. ثم طالبته بأجر لنبؤة لم يتوقعها، ولم يسع إليها حقيقة.