03 نوفمبر 2025

تسجيل

أداء لافت للاقتصاد القطري

17 مايو 2015

يمر الاقتصاد القطري بظروف حسنة، وذلك على خلفية الاستثمارات القوية المرتبطة بتطوير البنية التحتية في إطار الاستعداد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم في 2022 من جهة، والنشاط الاقتصادي للقطاع الخاص من جهة أخرى. وفي هذا الصدد، تبين من مداولات مؤتمر الاقتصاد الكلي للعام 2015 بوجود توجه لتعزيز دور القطاع الخاص في الحراك الاقتصادي في البلاد وهي خطوة في الاتجاه الصحيح.طبعا، يريد مستثمر القطاع الخاص جملة من الأمور بما في ذلك السوق والشفافية والقوانين المناسبة التي تحارب كافة أشكال الفساد المالي والإداري. مؤكدا، يجب أن يقتنع مستثمر القطاع الخاص من الأوضاع الاقتصادية عند اتخاذ قرار الاستثمار نظرا لوجود البدائل، حيث تسعى قرابة 200 دولة في العالم لاستقطاب الاستثمارات في عصر العولمة. وتبين بأن قيمة الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع للعام 2014 بلغت 53 مليار دولار. وعلى هذا الأساس، ربما وصل حجم الناتج المحلي الإجمالي القطري مستوى 200 مليار دولار وذلك للمرة الأولى. ويترجم هذا إلى تعزيز مكانة الاقتصاد القطري كثالث أكبر ناتج محلي إجمالي من نوعه بين دول مجلس التعاون الخليجي بعد كل من السعودية والإمارات لكن قبل الكويت وعمان وقطر. وقد تحقق هذا الأداء على خلفية نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة تفوق عن 6 بالمائة في 2014. يعد هذا الرقم مميزا في ظل مستويات النمو الاقتصادي العالمي والتي قدرت في المتوسط بنحو 3.6 بالمائة.اللافت تحقيق هذا المستوى من النمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المتميز في ظل غياب الضغوط التضخمية، والتي بدورها بلغت 2.8 بالمائة في عام 2014. يعد هذا المستوى من التضخم على ما يرام وفقا للمعايير الدولية، إذ بلغ المتوسط العالمي 3.5 بالمائة في العام الماضي.كما يقل مستوى التضخم بشكل نوعي بالمعدلات التي كانت سائدة في قطر ما بين 2007 و 2008 حيث كان المعدل يتكون من رقمين في ظل ثنائي ارتفاع أسعار النفط وانخفاض قيمة الدولار الأمريكي. وكانت أسعار النفط قد بلغت رقما قياسيا قدره 135 دولارا للبرميل في صيف عام 2007. غني عن القول، تعتبر ظاهرة ارتفاع أسعار النفط بصورة غير عادية سيفا ذا حدين بالنظر لردود الفعل المحتملة من قبل الدول المستوردة للنفط الخام.وكرد فعل لذلك، لجأت بعض الدول لخيار زيادة أسعار منتجاتها القابلة للتصدير من أجل تعويض ارتفاع تكاليف واردات النفط ومثال ذلك ما قمت به الهند. ووفقا لذلك، انتهى الأمر بقطر، شأنها في ذلك شأن بقية دول مجلس التعاون الخليجي، إلى دفع المزيد لوارداتها من المواد الغذائية. المعروف عن قطر استيرادها للسواد الأعظم من حاجاتها من المنتجات الغذائية وهي مسألة طبيعة بالنظر للظروف المحيطة بالبلاد. يتمتع الاقتصاد القطري بمزايا تنافسية في بعض القطاعات مثل الغاز والنفط والبتروكيماويات ولكن ليس قطاع الزارعة لأسباب لها علاقة بالعوامل البيئية مثل طبيعة التربة. وفي نفس الوقت، ساهمت مسألة انخفاض قيمة العملة الأمريكية المستخدمة لتسعير النفط في ظهور ما عرف بظاهرة التضخم المستورد. كما هو الحال مع بقية دول مجلس التعاون مع استثناء جزئي للكويت، تربط دول مجلس التعاون الخليجي عملاتها الوطنية بالدولار الأمريكي كخيار إستراتيجي. تتبنى الكويت خيار سلة من العملات لكن يعتقد بأن العملة الأمريكية تشكل 70 بالمائة من قوة السلة بسبب ارتباط الدولار بتسعيرة الصادرات الرئيسة للكويت مثل النفط.وعلى هذا الأساس، يتأثر الاقتصاد القطري بصورة إيجابية أو سلبية بتطورات الأمور في الاقتصاد الأمريكي بما في ذلك استيراد معدلات السائدة في الاقتصاد الأمريكي. يعد هذا الإجراء مهما لضمان عدم ذهاب الأموال في ودائع لصالح عملة وليس أخرى نظرا لعدم وجود فروقات عند تحويل العملة.وجاء انخفاض قيمة الدولار كخيار اقتصادي للولايات المتحدة بغية تعزيز فرص الصادرات على حساب الواردات خدمة للميزان التجاري.. حقيقة القول، تلجأ الولايات المتحدة لخيار تخفيض قيمة بين الحين والآخر لمعالجة بعض التحديات الاقتصادية مثل العجز في الميزان التجاري.. بكل تأكيد، تنظر واشنطن لمصالحها عند اتخاذ هذا التوجه وليس الدول التي قررت عملتها الوطنية بالدولار.وكأمر إيجابي، تترك التنمية الاقتصادية المستمرة في قطر آثارها الإيجابية على العديد من الاقتصاديات الأخرى وخصوصا تلك المصدرة للعمالة. لا شك، يعد أمرا لافتا تشكيل الأجانب السواد الأعظم من السكان فضلا عن القوى العاملة في قطر وفي بلدان أخرى في دول مجلس التعاون. ويحلو للبعض تناسي هذه الحقيقة وعلى الخصوص مقارنة بالأوضاع في دول أخرى وعلى الخصوص تلك الواقعة في الاتحاد الأوروبي، بل تصر غالبية دول العالم بتقييد الوظائف للمواطنين. ويمكن القول بكل أريحية بأن ما يحدث في المنظومة الخليجية من توفير فرص عمل لملايين الأجانب ظاهرة تستحق الوقوف عندها وهي بكل تأكيد محل تقدير وإشادة من الدول المصدرة للعمالة. بل إن عددا غير قليل من الدول الآسيوية على وجه الخصوص مثل الهند وباكستان وبنغلادش وسريلانكا والفلبين وإندونيسيا تستفيد من تحويلات العمالة لمعالجة تحديات اقتصادية ومعيشية. وفي الوقت نفس، يجب الحفاظ على الحريات المدنية لجميع الناس بمن فيهم العمالة الأجنبية في ظل الظروف والأوقات. وقد فرض هذا الموضوع نفسه في إطار الاهتمام العالمي بحقوق العمالة الأجنبية وهي مسألة جديرة ومفهومة. وتبين حديثا وجود نية لدى إندونيسيا لوضع قيود على ذهاب عمالتها الوطنية لمنطقة الشرق الأوسط شاملا دول الخليج ربما كورقة تفاوضية للحصول على تنازلات لتعزيز مصالح العمالة الإندونيسية. ختاما، يبدو أن الاقتصاد القطري على موعد لتحقيق المزيد من الإنجازات في السنوات القليلة القادمة حتى تاريخ استضافة كأس العالم بالنظر لاستثمارات القطاعين العام والخاص.