15 سبتمبر 2025
تسجيلإذن فالخلاف بين آدم وحواء نشأ بالأصل بسبب اختلاف الطبيعة لكل منهما، والتكوين العقلي والجسدي، وتركيبة المشاعر والعواطف والقناعات الراسخة لكل منهما.. فالمرأة تشكو من أن الرجل لا يحس بها، خاصة بعد أن تصبح في بيته، وتحمل جميع تلك المسؤوليات التي تبتدئ بالأبناء وتنتهي بالمطبخ مروراً بكل ما يحتاجه المنزل والزوج، وحين تهدأ تلك الزوبعة تكون المرأة بانتظار أن يسدد الرجل الفاتورة بالحب وإظهار العرفان والتقدير لها ولكل جهودها وليعطيها الحافز بذلك على بدء يوم جديد في الصباح التالي يحمل كل تلك الأعباء.. أما الزوج الذي قضى يومه منذ الصباح في العمل والتفكير والإنجاز، وربما الكثير من التوتر والضغط على الأعصاب، أو الإخفاق في تحقيق بعض صفقاته أو طموحه لهذا اليوم، أو حتى تحقيقها، هذا الزوج يعود لبيته منهكاً، وحالِما بأن ينعم بالهدوء والسكينة ليحط رحاله ويلقي بأحماله وحين يطفئ جوعه وتعبه، يحتاج لأن يدخل أحد تلك الصناديق الأخرى التي يحويها عقله وقد يكون صندوق اللا شيء.. والذي لا يريد أن يكون معه أحد فيه، وهذا ما يصعب على المرأة تقبله.. يقول مارك جونجر الكاتب والمحاضر الأمريكي الذي صاغ مجموعة من المحاضرات الجماهيرية فى قالب كوميدي بالغ الروعة والإدهاش: "عقل الرجل مكون من صناديق مُحكمة الإغلاق، وغير مختلطه. هناك صندوق السيارة وصندوق البيت وصندوق الأهل وصندوق العمل وصندوق الأولاد وصندوق الأصدقاء وصندوق المقهى وصندوق اللا شيء.. إلخ. وإذا أراد الرجل شيئاً فإنه يذهب إلى هذا الصندوق ويفتحه ويركز فيه.. وعندما يكون داخل هذا الصندوق فإنه لا يرى شيئاً خارجه. وإذا انتهى أغلقه بإحكام ثم شرع في فتح صندوق آخر وهكذا. وهذا هو ما يفسِّر أن الرجل عندما يكون فى عمله، فإنه لا ينشغل كثيراً بما تقوله زوجته عما حدث للأولاد، وإذا كان يُصلح سيارته فهو أقل اهتماماً بما يحدث لأقاربه، وعندما يشاهد مباراة لكرة القدم فهو لا يهتم كثيراً بأن الأكل على النار يحترق، أو أن عامل التليفون يقف على الباب من عدة دقائق ينتظر إذناً بالدخول.. عقل المرأة شيء آخر: إنه مجموعة من النقاط الشبكية المتقاطعة والمتصلة جميعاً في نفس الوقت والنشطة دائماً.. كل نقطة متصلة بجميع النقاط الأخرى مثل صفحة مليئة بالروابط على شبكة الإنترنت. وبالتالى فهي يمكن أن تطبخ وهي تُرضع صغيرها وتتحدث فى التليفون وتشاهد المسلسل فى وقت واحد. ويستحيل على الرجل — فى العادة — أن يفعل ذلك، كما أنها يمكن أن تنتقل من حالة إلى حاله بسرعة ودقة ودون خسائر كبيرة، ويبدو هذا واضحاً في حديثها فهي تتحدث عما فعلته بها جارتها والمسلسل التركي، وما قالته لها حماتها ومستوى الأولاد الدراسى ولون ومواصفات الفستان الذى سترتديه فى حفلة الغد ورأيها فى الحلقة الأخيرة لنور ومهند وعدد البيضات فى الكيكة فى مكالمة تليفونية واحدة، أو ربما فى جملة واحدة بسلاسة متناهية، وبدون أى إرهاق عقلى، وهو ما لا يستطيعه أكثر الرجال احترافاً وتدريباً.. الأخطر أن هذه الشبكة المتناهية التعقيد تعمل دائماً، ولا تتوقف عن العمل حتى أثناء النوم، ولذلك نجد أحلام المرأة أكثر تفصيلاً من أحلام الرجل.. (وللحديث بقية بإذن الله).