10 سبتمبر 2025
تسجيلعندما نفتح قلوبنا للايمان في رمضان تشرق في نفوسنا الكثير من المعاني الجميلة ؛ التي يمكن أن تضيء لنا الطريق المستقبل، وتفتح لنا الآفاق لبناء نهضة أمتنا، وتحقيق انتصارات عظيمة خلال هذا العقد. من اهم تلك المعاني أن نعبد الله سبحانه وتعالى بالاعتزاز بإسلامنا، والفخر بأن الله سبحانه وتعالى اختارنا لنحمل للبشرية رسالته الخاتمة، لنحررها من العبودية للطواغيت، ليصبح الانسان عبدا لله وحده، وبذلك يصبح حرا، فالحرية ترتبط بالايمان بالله. ولكي نقوم بوظيفتنا الحضارية في تحرير البشرية يجب أن نستعيد الصفات التي أهلت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للقيام بهذه الوظيفة، والانطلاق في الأرض يحملون للبشرية نور المعرفة التي أنعم الله بها عليهم.. فالمعرفة بالله أعلى وأسمى معرفة يحصل عليها الانسان، وهي نعمة من الله سبحانه وتعالي وحده، يجب أن نحمد الله ونشكره عليها. وأصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم فتح الله لهم لأنهم ملأوا قلوبهم بحب الله سبحانه وتعالى وحده ؛ فاصبحوا يحبون في الله ولله، ويرفضون الخضوع والخنوع، ويواجهون الأعداء بشجاعة، ويتعاملون مع المؤمنين برحمة. يقول الله سبحانه وتعالى «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ» سورة الفتح: 29. يقول الطاهر بن عاشور في تفسير هذه الآية: إن المؤمنين الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا هم فئة الحق، ونشر الإسلام فلا يليق بهم إلا إظهار الغضب لله ؛ فالحب في الله، والبغض في الله من الإيمان، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أقوى المؤمنين إيماناً من أجْل إشراق أنوار النبوة على قلوبهم.. وأما كونهم رحماء بينهم فذلك من رسوخ أخوة الإيمان بينهم في نفوسهم. وفي الجمع لهم بين هاتين الخلتين المتضادتين الشدّة والرحمة إيماء إلى أصالة آرائهم وحكمة عقولهم، وأنهم يتصرفون في أخلاقهم وأعمالهم تصرف الحكمة والرشد. ومن أهم سمات القيادة الأصالة والشجاعة والقوة والشدة في مواجهة الكفار والرحمة في معاملة المؤمنين.. لذلك اعتبر الطاهر بن عاشور هاتين الصفتين دليلا على أصالة الرأي وحكمة العقول. بذلك يفتح لنا الطاهر بن عاشور مجالا جديدا لتطوير علم القيادة، وبناء النهضة علي قواعد الاعتزاز بالاسلام والفخر به، فهذا يجعل المؤمن يتعامل مع الكفار بعزة ؛ فهو يؤمن أن القوة بيد الله وحده، وكل خلقه ضعفاء مهما امتلكوا من قوة. الدليل على أهلية المؤمن لقيادة البشرية أنه لا يخاف إلا من الله وحده، ولذلك يتعامل مع الكفار بأنفة وعزة وشجاعة ؛ فتظهر شدته في الحق، وقوته في مواجهة الباطل.. وهو لا يواجه الكفار بسلاحه وحده، بل بقوة ايمانه، ولا ينبهر بما يملك الكفار من أسباب القوة والترف. أما الرحمة فتميز سلوكه بين اخوانه المؤمنين، والرحمة على المؤمنين دليل على الأصالة والكرم والاعتزاز بالايمان، فهو يدرك أن تلك الرحمة من أهم حقوق المؤمنين عليه، فرابطة الايمان أقوى وأهم من رابطة النسب. تجلى ذلك في موقف الانصار وهم يفتحون بيوتهم لإخوانهم المهاجرين، ويتقاسمون معهم زادهم القليل، ويؤثرونهم على أنفسهم، وعندما تأتي المعارك تظهر شجاعتهم وقوتهم، وشدتهم على الكافرين. إنهم دائما الأرق قلوبا والأطيب عشرة والأكرم نفوسا مع اخوانهم المؤمنين، ولكنهم في الحروب الأشد على الكفار ؛ يقاتلون بشجاعة الرجال، وتتعلق قلوبهم بقوة الله، والثقة في نصره. بذلك استحقوا صحبة رسول الله، وأن يصبحوا قادة المعرفة الذين يعلمون البشرية الحرية وبناء الحضارة وكسب العقول والقلوب. هذه الصورة الجميلة التي قدمها لنا القرآن يجب أن نعمل لاستعادتها لنكون أهلا لبناء المستقبل وتحقيق الانتصارات، ونعبد الله في رمضان بأن نكون أشداء على الكفار، رحماء على المؤمنين.. ونتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بتقليد أصحاب رسول الله في الاعتزاز بالاسلام والايمان. وعندما نستعيد تلك الصفات سنصبح أهلا لقيادة البشرية التي أصبحت تتطلع لقيامنا بدور تاريخي وحضاري جديد، فالظلم يدمر الحضارة والعمران ومئات الملايين تبيت على الطوي، والفقر يعض قلوب الناس بأنيابه، وجيش الاحتلال الاسرائيلي يقتل الاطفال والنساء، ويدمر غزة على رؤوس أهلها، ولا تجرؤ النظم العربية حتى على الشجب والاستنكار.