14 سبتمبر 2025
تسجيليسمحُ التّواصل الثقافي بتحقيق التّفاهم الإنساني، وهو عبارة عن توفّر القابلية لدى الشّعوب بانتقال الثقافات فيما بينها عبر الوسائل المتاحة للتعريف بحضارة كلّ أمّة والتعرف على ألوان الثقافات والأخذ منها ما يتماشى مع مبادئها وعقيدتها. وفي كتابه الصادر عن دار الوتد بقطر والمركز الثقافي للكتاب بالمغرب (2023م)، بعنوان «بعضٌ منّي.. الدبلوماسية الثقافية بعد مونديال قطر»، يحاول الدبلوماسي ووزير الدولة ومدير مكتبة قطر الوطنية الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، تلمس البُعْد الواقعي في تطلعات وتصورات شعوب المنطقة ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص، بشأن التواصل الثقافي ومدى أهميته في حياة مجتمعاتها. ويتحدث المؤلف عن ثمرة تجربته الميدانية في مجال الدبلوماسية الثقافية كسفير لبلاده في أكثر من دولة أوروبية وأمريكية وعربية. محاولاً إبراز أهمية التّواصل الثقافي في حياة الشّعوب. جوهر الدبلوماسية الثقافية أمضى المؤلف أكثر من نصف قرن في مجال الممارسة الدبلوماسية والثقافيّة وأيقنّ أنَّ مزايا التواصل الثقافي بين الشعوب صمام أمان لها على اختلاف اتّجاهاتها الفكرية وتنوع أجناسها ولغاتها. ويذكر الكاتب أنّ مؤرخي العلم المنصفين أكدوا أنّ مرحلة الترجمة العربية بلا شك من أهم مفاخر الحضارة الإسلامية. وفي الأندلس كانت هناك لحظة أندلسية من خلال ترجمة الكتب والمؤلّفات العربية إلى اللغة اللاتينية والقشتالية، حتى عُدّت الأندلس مركزاً من مراكز الترجمة وبلغت حركة التعريب أوجها في القرن الـعاشر الميلادي، بمشاركة الأساقفة الذين أسّسوا معاهد للترجمة في مدينة طيلطلة. ومن جهته يبيّن أغناطيوس غوتيريث دي تيران غوميث بينيتا، أستاذ اللغة العربية وتاريخ العالم العربي المعاصر في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أوتونوما بمدريد أن «العرب قدموا وأسهموا عن طريق إنجازاتهم الخاصة وما نقلوا إلى أوروبا من الحضارات السامية والهندية والفارسية وغيرها، فوائد لا تحصى»، ويضيف، في حديثه لصحيفة «الشرق»: «كانت المراكز العلمية في الأندلس وكذلك في الممالك المسيحية المتأثرة بالحضارة الأندلسية هي من أكثر من أسهم في البداية ضمن عملية النقل والشرح والتعليق». وعن أهمية دور الترجمة في الوقت الراهن يؤكد الناشر والمترجم سامح خلف المقيم في السويد، أَن «أهمية الترجمة لم تتراجع مع انتشار العلم على نطاق واسع في المجتمعات وازدياد أعداد من يتقنون اللغات الأجنبية في كل مجتمع، بل تعزّزت الحاجة إلى الترجمة مع التقارب الشديد والمتسارع بين سكان هذا الكوكب من خلال تزاورهم وعبر تواصلهم من بعد». اقتصاد الهدايا يقول د. حمد بن عبد العزيز الكواري، وهو مؤلف كتاب «على قدر أهل العزم» أيضاً، إن التواصل بين الثقافات أمر قديم غير طارئ على الحضارة الإنسانية، حيث تجلّت المبادلات الثقافية على أعلى مستوى سياسي في صيغة «الهدايا»، إذ تُعدُّ الهدية من بين الأشكال التي تُرجمت منذ قرون إرادة التواصل بين الشعوب، فقد عُدّ تبادل الهدايا بين الخليفة العباسي الخامس هارون الرشيد (149-193هـ) مع ملك الفرنجة شارلمان (748-814م) خير مثالٍ على درجة المبادلات الثقافية التي كانت تعبر عن تقدير الدول لثقافات بعضها البعض، وعن احترامها للمعارف الثقافية التي شكّلت ما يسمى «ثقافة الأشياء المشتركة». ولم تكن الهدية نوعاً من التقارب بين السلاطين والحكام بل كانت أيضاً مرآة عاكسة لذائقة الشعوب ومدى تقدم الأمم. وبدوره يؤكد البروفيسور عبد الغفور الهدوي كوناتودي، الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية بكلية الجامعة الحكومية التابعة لجامعة كيرالا بالهند: «نعم، هذا صحيح، إنها تحمل أيضاً معاني ثقافية وتاريخية مهمّة». ويضيف، «في حديث رواه الحاكم أنّ ملكاً هندياً أهدى إلى النبي ﷺ جرّة فيها زنجبيل، وذلك في زمن كانت الهند مشهورة بين العرب بمنتجاتها الزراعية».