18 سبتمبر 2025

تسجيل

تكيف المنظومة الخليجية مع أسعار النفط

16 ديسمبر 2018

توجيه دفة الاقتصاد الوطني لتقوية القطاع الخاص يوماً بعد آخر يتبين بالأدلة المادية تمكن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في التكيف مع ظاهرة هبوط أسعار النفط التي حدثت في منتصف عام 2014. وكانت الأسعار قد هوت في خضم تعزيز عرض النفط في العالم على خلفية زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة عبر الاستفادة من التقدم التقني. من جملة الأمور، تم اللجوء لخيار تعزيز مصادر الإيرادات غير النفطية مثل فرض الضرائب وزيادة أسعار الخدمات الحكومية، فقد أقدمت أكثر من دولة عضو في مجلس التعاون على تطبيق الضريبة المنتقاة على استهلاك بعض المنتجات غير الضرورية مثل السجائر ومشروبات الطاقة والمشروبات الغازية. كذلك، تبنت بعض الدول خيار ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمائة في البداية وهي ضريبة مرتبطة بالمشتريات والاستهلاك مثل شراء السيارة وفاتورة التليفون. ووارد فرض ضرائب أخرى تتعلق بالثروة والمملكات وأرباح الشركات الكبرى مع مرور الزمن. إضافة إلى ذلك، حدثت زيارة جديدة لموضوع الدعم المقدم للمواطنين والمقيمين والزوار، وهنا أقدمت بعض الحكومات على خطوة تقليص مستوى الدعم المقدم لمنتجات حيوية مثل الوقود والكهرباء والخدمات الطبية واللحوم مع تركيز الدعم على المواطنين أينما ما كان ممكنا. ولغرض التعويض عن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والدجاج تم اللجوء إلى مبدأ تحويل الأموال عبر المصارف للذين تنطبق عليهم الشروط. تترجم خطوة إعادة هندسة الدعم المقدم للسلع والمنتجات والخدمات الإستراتيجية إلى تقليص مستوى النفقات الجارية الأمر الذي ينصب في خدمة الحد من المصروفات الجارية. الحد من الصرف يعزز من ظروف المالية العامة. المصدر الآخر للتعامل مع ظاهرة هبوط أسعار النفط وبالتالي مستوى دخل الخزانة تمثل في السحب من الاحتياطي العام. تم السحب بتصرف دونما المساس ببعض الأمور الحيوية مثل حجم الاحتياطي مقارنة مع مستوى الإيرادات. كما لجأت بعض الحكومات لخيار المديونية من خلال طرق باب الأسواق الدولية عبر استصدار سندات سيادية وسط إقبال لافت من المستثمرين. وهنا ارتبطت معدلات أسعار الفائدة المطلوب تقديمها لتلبية رغبات المستثمرين مع الحالة المالية للجهات المصدرة للسندات. في المحصلة، نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في التكيف مع معضلة تراجع أسعار النفط والتي حدثت بسبب الزيادة في العرض من الإنتاج النفطي، لوحظ عدم حصول انخفاض لقيم العملات الخليجية في الأسواق الدولية بعد تبني خطوات مثل السحب من الاحتياطي العام ما أكد رضا المتعاملين والأسواق من الخيارات التي تم تبنيها. بالنظر للأمام، توجد فرصة تاريخية أمام صناع القرار في المنظومة الخليجية لتوجيه دفة الاقتصاد الوطني نحو تقوية دور القطاع الخاص وبالتالي الحد من دور القطاع العام. ومن شأن هكذا توجه تقليص دور القطاع العام ما يعني بالضرورة الحد من النفقات. كما من شأن تدعيم مكانة مؤسسات القطاع الخاص ضمان وجود منافسة في الاقتصاد الوطني. وفي هذا الصدد، يتطلب من الحكومة توفير الأجواء المساعدة للنمو الاقتصادي بما في ذلك تطوير البنية التحتية والتشريعية والسياسات الصائبة التي تساعد على جلب المستثمرين والزوار. أيضا، يقتضي الصواب توظيف الظروف الجديدة للتأكيد على أهمية توفير طاقات عمالية محلية تتناسب ومطالب مؤسسات القطاع الخاص لضمان أهليتهم للتوظيف، فالقطاع الخاص يريد أناساً يتمتعون بالإنتاجية ومشبعين بمبادئ العمل الجاد والعطاء والبذل. ختاما، أوجد تحدي ظاهرة هبوط أسعار النفط بصورة غير متوقعة فرصة تاريخية لتحويل ذلك إلى فرص لتصحيح ومعالجة جملة من التحديات الاقتصادية والمالية والسياسات عبر تبني برامج واقعية تتناسب ومستوى المعضلات المتنوعة التي تواجه الدول الست.