11 سبتمبر 2025

تسجيل

عن القائد والقدوة

16 ديسمبر 2012

قوية، حميمة، وتفوح منها رائحة الوفاء، كما أنها قادرة على تحمّل كلّ الظروف والعقبات التي يمكن أن تفصل بين جميع الأطراف المتمسّكة بها وتحرص على المحافظة عليها، وباختصار شديد جدّاً تلك هي طبيعة العلاقة التي تربط بين الكاتب وكلّ مَن يتابع بوح قلمه، ويلتزم بالانصات لحقيقة ما يدوّنه من مشاعر تخلقها الحياة، وتشكّلها المواقف التي تبثّها تلك الأخيرة بين الحين والآخر؛ لتدفع بالكاتب نحو كتابة صادقة تعبر عن كلّ ما يجول بداخله، ويسعى وبكلّ جهده؛ كي يشقّ طريقه نحو الخارج، فيدرك النور؛ ليُدرَك صاحبه أيضاً. اليوم وبينما يتابع منكم مَن يحرص على متابعة عمود كلمات صالحة للنشر، سيدرك من خلالي ما أشعر به ويشعر به كلّ كاتب حين يُقبل على مشاركة غيره بما يمرّ به، ويتعايش معه وإن لم يتمكّن من فعل ذلك أصلاً، خاصة متى كان الحديث عن جانب يغلب عليه السواد؛ ليغلبه وهو ما لا يحدث إلا إن توتّرت وارتبكت الثقة من أن الأمور ستصبح على خير ما يرام؛ لترتكب حماقة ستكشف ضعفها، وهو ما لن يكون وبفضل من الله وذلك؛ لأن هذه المساحة التي تشهد بوح الكاتب تسمح له بالفضفضة؛ للتعبير عن رأيه بكلّ ما يدور من حوله؛ ليشمل الفكرة والعبرة وكلّ الفائدة، ولكن من زاويته التي لن تتقدّم إلا بما يستحق؛ لأن يُعرف ويُكشف، ويستند أصلاً على موقعه من الحياة التي تحتضن وجوده فيها، وتحمل في جعبتها من الخير الكثير. لقد قَبِل قلمي بفكرة امتطاء صهوة مشاعري؛ ليسير بي حيث تلك البقعة التي يشع منها (الوفاء) لرجل كان القائد والقدوة بالنسبة لي، وشعرت بأن البداية قد كانت من عنده وفيه، بدايتي مع هذه الحياة التي بدأت صورتها تنكمش من أمامه، ولم توفّر له منها سواه صوت الذكريات التي جمعتني به، تماماً كتلك الذكريات التي تجمع كلّ ابنة بوالدها، نحلم بأن تمتدّ وتتمادى على حدودها وتخرج إلى حيز الواقع؛ كي نعيشها من جديد، ولكن تظلّ تلك مجرد أمنية تستحق بأن نفكر بها ملياً، وإن كان ذلك ضمن حدود عالم خاص جدّاً. الحقيقة أنها ليست عادتي بأن نتطرق وقلمي إلى الحديث عن تفاصيل حياتنا الخاصة، ولكن إن كانت رسالتي تتطلّب ذلك لفعلت، وهو ما يحدث معي الآن ودفعني نحو ضرورة الكتابة عن والدي، الذي صار المرض يلتهم صحته لدرجة سمحت للضعف بأن يطلّ علينا، الضعف الذي يغذيه الخوف من المجهول، ورغم ضخامته إلا أنه لم يتمكّن منّا والفضل لله، حيث حرصنا على تحويل قوته لمسار آخر أفضل بكثير دفعنا وبقوّة؛ كي ننجز الكثير من المهام التي وإن كان والدي بوعيه لفرح بها، ولكان فخره بنا، خاصة وأن المفتاح الذي فتح لنا أبواب الصبر على الشدائد، هو ما قد تعلمناه منه ألا وهو أن الإيمان بالله مفتاح كلّ الأبواب المغلقة، وهو ما صرنا نحرص من جهتنا على توريثه لمَن سيخلفنا، ويكفي بأن هذه الحقيقة الذهبية التي نعدّها كنزاً من كنوز الدينا هي أغلى ما يمكن بأن نتسلّح به في هذه الحياة. (نعم) وضع والدي الصحي قد تدهّور، ولكن ما ورثه لنا لازال كما هو، ولم يتغيّر أبداً، فهو ما يجعلنا نستمدّ قوتنا منه، بل ونحافظ على توازننا من خلاله؛ كي نستمر برحلة تحقيق الطموحات التي نرغب فيها. إن ما أريده لكم هو أن تعلموا بأن ما نغرسه بفلذات أكبادنا سيعود إلينا مهما طال الزمن، فلا يستهين أحدكم بهذه الحقيقة التي ستعود من أجلكم وبوضع لا ولن يدركه سواه العزيز الحكيم، وكما ذكرت لكم سلفاً (ما يخرج منا يعود إلينا من جديد)، وهذه الكلمات وإن كانت بسيطة بحروفها إلا أنها عظيمة جدّاً وكل ما تحتاجه منّا هو أن نأخذها على محمل الجدّ، ونتحمل من أجلها كلّ ما يمكن أن نواجهه من ظروف؛ كي نصل إلى الطرف الثاني الذي يحتضنها فعلياً ويتنظر منّا الوصول إليه. من القلب وإليه أتوجّه بخالص شكري وصادق تقديري لكلّ زملائي الذين ساندوني خلال هذه الفترة التي شهدت توتر وضع والدي الصحي، وكلّ مَن راسلني؛ للسؤال عنه والاطمئنان عليه، سائلة المولى عزّ وجلّ أن يقدر له الشفاء ولكلّ مسلم.. اللهم آمين.