03 نوفمبر 2025
تسجيليتمعن مقالنا بشكل جوهري إجمالي ما تضمنه أحدث تقرير أصدرته مؤسسة (ستاندرد أند بور) المتخصصة في مجال التقييم الائتماني. حقيقة القول، يتميز التقرير بالكثير من الواقعية فيما يخص قراءته لأداء الاقتصاد القطري. بل من الصعوبة بمكان الاختلاف مع توقعات التقرير بالنسبة لتوقعاته للنتائج الاقتصادية المتوقعة للعام 2012. باختصار يتوقع التقرير مواصلة الاقتصاد القطري تسجيل نمو في الناتج المحلي الإجمالي لكن مع تراجع نسب النمو لأسباب يمكن تفهمها. وتشمل هذه العوامل لجوء الجهات الرسمية لقرار الحد من توسعة الطاقة الاستيعابية لإنتاج الغاز الطبيعي المسال الأمر الذي يترك أثره على ديمومة مختلف العديد من القطاعات. تشمل أهداف الخطوة العمل للاستفادة القصوى من المستوى الحالي حيث الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في قطر في الوقت الحاضر 77 مليون طن سنويا. وحسب آخر تقرير دوري لإحصاءات الطاقة ومصدره شركة (بريتيش بتروليوم) البريطانية، تستحوذ قطر على قرابة 35 في المائة من الإنتاج العالمي لهذه السلعة. وحسب المصدر نفسه تم تسجيل نمو قدره 10 في المائة في تجارة الغاز الطبيعي المسال في العالم في العام 2011 وقد تبين بأن قطر أسهمت بأكثر من ثلاثة أرباع الزيادة. بل أصبح الإنتاج القطري المحرك الأول لصناعة الغاز الطبيعي المسال في العالم بأسره. تكمن مصلحة قطر بالحفاظ على مستويات أسعار الغاز عبر التأثير على متغير الإنتاج وبالتالي معادلة العرض والطلب خصوصا وأنها الرائدة في هذا المجال. بالعودة للوراء، نجحت قطر في إزاحة إندونيسيا من عرش أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال منذ العام 2007. لا شك من شأن الحد من توسعة إنتاج الغاز التأثير على مستويات النمو الاقتصادي المحلي بالنظر لارتباط ذلك بعدة قطاعات اقتصادية مختلفة منها الإنشاء والتعمير بل البنية التحتية بشكل عام فضلا عن الخدمات. هناك علاقة بين مستويات الصرف على تطوير قطاع الغاز والحراك الاقتصادي بشكل عام. كما لا يمكن تجاهل موضوع متغير الدخل، حيث يتحول كل ريال إلى أكثر من ذلك بسبب الدوران الاقتصادي عبر تبادل العملة من يد لأخرى. وعليه لا توجد غرابة من توقع تراجع مستوى النمو في الناتج المحلي الإجمالي في العام 2012 تماما كما حدث مع 2011. فحسب إحصاءات رسمية، انخفض مستوى نمو الناتج المحلي الإجمالي القطري من 16.7 في المائة في العام 2011 إلى 13.5 في المائة في 2011. إضافة إلى ذلك، يتوقع تقرير (ستاندرد أند بور) عدم تسجيل نمو مادي في مستوى دخل الفرد على أقل لفترة زمنية بالنظر للنمو السكاني في البلاد والذي يتواكب أصلا مع توجه الحد من الاستثمار في القطاع النفطي. فحسب التقرير، من المتوقع تسجيل نسبة نمو قدرها 6 في المائة في تعداد السكان حتى العام 2015. ومن شأن النمو السكاني غير العادي في هذا العصر الضغط على مستويات النمو فيما يخص دخل الفرد. وقد رصد تقرير المؤسسة المشار إليها دخلا سنويا قدره 104 آلاف للفرد الواحد في الوقت الحاضر. يعد هذا الرقم الأعلى على الإطلاق على مستوى العالم من دون منازع الأمر الذي يعد إنجازا ليس لقطر بل لمنظومة مجلس التعاون الخليجي. مؤكداً يعتبر الدخل الفعلي للفرد القطري أعلى من هذا الرقم لأننا هنا نتحدث عن المتوسط بعد قسمة حجم الناتج المحلي الإجمالي على مجموع السكان. خلافا للأجانب الذين يعملون في مؤسسات القطاع العام يعمل السواد الأعظم من المواطنين في الدوائر الرسمية والتي تتميز بتقديمها رواتب ومزايا نوعية. كما يحصل الفرد القطري بين الحين والآخر على مكرمات بأمر من القيادة السياسية في البلاد. يشكل المواطنون فيما بينهم قرابة 20 في المائة فقط من مجموع السكان. بالعودة للوراء، بلغ عدد سكان قطر بمن فيهم الأجانب والمواطنون قرابة 1.04 مليون نسمة في العام 2006 لكنه وصل لحد 1.73 مليون فرد مع نهاية العام 2011. وعليه بات الأمر مسألة وقت لا أكثر لتجاوز حجم السكان حاجز المليونين نسمة ما يعد تطورا غير عادي بالنسبة لقطر منذ منتصف التسعينيات. ويعكس الواقع السكاني في قطر رغبة السلطات بمشاطرة الآخرين مستوى النعيم والفرص المتوافرة في البلاد. طبعا تضاف لذلك الاستثمارات القطرية في مختلف بقاع العالم والتي بدورها تساعد في تعزيز عجلة التنمية المحلية في أكثر من بلد. تشمل الاستثمارات السيادية لقطر امتلاك محلات (هارودز) الشهيرة في لندن وليس انتهاء بحصص في بنوك في البرازيل. عموما، تتميز قطر بممارسة الشفافية فيما يخص استثماراتها حول العالم سواء قطر بالنسبة لشراء الفنادق والعقارات أو امتلاك أسهم الشركات العاملة في مجال السلع الثمينة. من جهة أخرى، لا يمكن التغاضي عن بعض مآخذ التقرير على أداء الاقتصاد القطري من قبيل انكشاف مالية البنوك القطرية. والإشارة هنا إلى تعزيز ظاهرة الاعتماد على التمويل الخارجي للمصارف والتي بدورها توظف جانبا من الأموال لتمويل بعض المشاريع المحلية. ويعود الأمر في جانبه لظاهرة ضعف مستويات الادخار بين المواطنين ربما لأسباب اجتماعية وثقافية في ظل بقاء معدلات الفائدة منخفضة لمستويات تاريخية الأمر الذي لا يشجع على التوفير. وفي كل الأحوال، منحت (ستاندرد أند بور) تقييما سياديا قدره (أي وأي ناقص) لقطر مع نظرة مستقبلية مستقرة. كما تتمتع قطر بتقييم ائتماني إيجابي مماثل بطريقة أو أخرى من مؤسسة (موديز). ويلاحظ أن العامل المشترك بين كلا التقييمين الاثنين هو قدرة الدولة الحاصلة على الدرجات على الوفاء بالتزاماتها المالية دونما مشكلة. لا شك أنه لأمر جميل نجاح قطر في تسجيل أداء اقتصادي نوعي وهو ما يضيف لرصيد كل الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.