11 سبتمبر 2025

تسجيل

ذاك الغروب

16 نوفمبر 2016

كنّا نصًّا مبعثر الكلمات في ذلك المرعى، سكب الخريف فوقنا الخوف والمطر، والغيوم النحاسية عند الغروب، كنا عشرين شابًا نركض خلف الكرة، ونقاوم لفحة البرد المسائية التي تفعل فعلها في الأيدي، كنّا نصًّا يقاوم الخريف الساكن بين الغبار الذي تحدثه الجرّارات الزراعية، وأكياس البذار البيضاء، نلعب الكرة خائفين مما ينتظرنا في البيت، ونستلّ اللذات العابرة، بهدف يعبر بين حجرين، وصرخات تخفي قلقًا واضحًا: غووووول". في مثل هذه الأيام، لم يكن الشتاء قد وصل بعد، كان يكتفي برسائل عاجلة من حدود المطر والريح، ليومين أو ثلاثة، ثم تعود الشمس معلنة شرعية استئثارها بالخريف، قبل أن تتوارى عن الأنظار طوال الكوانين. والآن لا نار سوى ما تحضّره الأمهات عند الغروب، وهنّ يقلبن صاج الخبز، ويضعن فوقه أعوادًا هشة من الحطب، سرعان ما تتحوّل إلى جمر قاني الحمرة. لم نكن لاعبي كرة، ولا طلّابًا، كنّا فلاحين صغارًا، يعانون من وقت الفراغ فنملؤه بالدراسة واللعب، ونتعرّف احتمالات جديدة فيما إذا رسبنا في مدرسة الكدح والشقاء. نمشي أيام العطل بضعة كيلومترات نعشّب حقلًا، أو نرعى ماشيةً، أو نصلح بناء بيوت الشتاء والصيف.كنّا نصًّا على أيّ حال، نتقن الاستيقاظ صباحًا، واستقبال الكلمات الجديدة، ومحاكاة مدرّسين جاؤوا من كلّ بلد، والتسكّع في الشارع الطويل ريثما يأتي الباص، نتعرف وجه المدينة الحقيقي، مجانينها ومشرّديها، بؤسها الهادئ المركوم، وحاراتها الفقيرة.في ذاك الغروب البعيد، ثمة عشرون فتىً، وربّما أكثر، تنتظرهم أمّهاتٌ لائمات، لأنّنا لم نلحق آباءنا في الحقول، أو إخوتنا في المراعي. ثمة عشرون فتىً بين القلق والرجاء، ينسون البؤس لساعات، خلف كرة من البلاستيك يقذونها نحو مرمىً بين حجرين.