11 سبتمبر 2025

تسجيل

إفاقة المحتضر

16 نوفمبر 2016

أظرف الأشياء وأكثرها عبرة وعظة: مشاهدة إفاقة المحتضر كما سماها ابن الجوزي رحمه الله، إنه ينتبه انتباهًا لا يوصف، ويقلق قلقًا لا يحد، ويتلهف على زمانه الماضي، ويود لو ترك اليوم أو رجع إلى أمس أو أمهل ساعة واحدة؛ كي يتدارك ما فاته، ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتها بالأسف عليها والبكاء على ما حلت به من أسى. ولو وجدت تلك الهمة أو تلك الإفاقة إلى قلبه سبيلا أيام عافيته لتبدلت أحواله وصلحت أموره وحصل كل مقصود من العمل بالتقوى. وعاش في جنة الدنيا قبل أن يرحل محمولا على طاعته إلى جنة الآخرة. فالمؤمن له جنتان، لا يدخل الثانية إن لم يدخل الأولى، وفي ذلك يقول ابن تيمية رضي الله عنه: "إنّ في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، قالوا: وما هي؟ قال: إنها جنة الإيمان". إن العاقل من يستبق تلك الساعة بالعمل، حتى يبتعد عن قوله "رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" يا له من مشهد لا ينفع فيه الأسف ولا الاعتذار.فإن لم يتهيأ تصوير ذلك المشهد على حقيقته، تخايله واقعا ماثلا أمامه على قدر يقظته، فإن تلك المعايشة الصادقة تكف عنه كف الهوى، وتبعث فيه الجد والحياة معا. ولا يكون هذا إلا بقصر الأمل.وقد صدق الحسن البصري - رحمه الله - حيث قال: ما أطال عبدٌ الأملَ إلا ساء العمل" فطول الأمل سببٌ لقلة الطاعة، والتكاسل عن العبادة، وقسوة القلب، وتأخيرِ التوبة، واتباع الهوى، وكثرة المعصية، والحرص على الدنيا، والغفلة عن الموت، وما بعده من شدائد وأهوال، وربما الموت على المعصية؛ وهذا هو عينُ الشقاء. هذه هي الإفاقة قبل سكرة الاحتضار لمن أراد النجاة.