18 سبتمبر 2025

تسجيل

سيناريوهات ما بعد جريمة القنصلية

16 أكتوبر 2018

معظم الناس يتساءلون عما حدث لجمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول، في حين أن الأهم هو السؤال عما يحدث وسيحدث نتيجة لهذه الجريمة الشنعاء التي تفوقت فيها المملكة على نفسها في سجلاتها السوداء لحقوق الإنسان، وسياساتها الرعناء ضد الدول والشعوب. فما هي السيناريوهات المفترضة؟. 1) سيناريو لوكربي: سنة 1988م ، قام نظام القذافي بتفجير طائرة مدنية أمريكية فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية، فحدثت ضجة دولية هائلة ضد ليبيا، مما اضطر القذافي للتضحية باثنين من رؤوس جهاز مخابراته اللذين سلما لمحكمة دولية بهولندا، وإلى الاعتراف بمسؤولية بلاده، سنة 2003م، عن التفجير ودفع مليارات الدولارات كتعويضات. لكن هذا السيناريو مستبعد في جريمة القنصلية، لأنها جريمة إنسانية وجنائية وسياسية حدثت في مقر ديبلوماسي سعودي، وبأوامر مباشرة ومتابعة من القيادة السعودية، مما يجعل من الصعب قبول العالم بالتضحية بالأشخاص الخمسة عشر الذين نفذوها، وتقديمهم كجناة تصرفوا دون العودة إلى القيادة. كما أن القيمة الاعتبارية لهم لا تكفي لإعادة الاعتبار السياسي لتركيا، ولإرضاء المجتمع الدولي. 2) سيناريو رفيق الحريري: سنة 2005م، تم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، بتفجير سيارته ببيروت، ونتيجة للضغط الدولي الهائل، خرجت القوات السورية من لبنان، وبدأ بشار الأسد بالتخلص من قيادات سورية كبيرة كوزير الداخلية ورئيس المخابرات السورية بلبنان: غازي كنعان، الذي تمت تصفيته والادعاء بأنه انتحر بسبب صلته باغتيال الحريري. وهذا السيناريو مستبعد جدا في جريمة القنصلية لأن وزراء الداخلية والخارجية، وكبار المسؤولين الأمنيين السعوديين هم من الأسرة المالكة أو القبائل الكبيرة، وتم تعيينهم بقرارات ملكية، ولا يمكن التضحية بأحدهم أو بمجموعة منهم ليتحملوا المسؤولية عن الجريمة. كما أن تلك التضحية لن تكون مضمونة النتائج إذا قرر أحدهم تخليص نفسه والاعتراف بالحقائق. 3) سيناريو النكسة: بعد هزيمة العرب في حرب 1967م، توجه جمال عبد الناصر بخطاب إلى الأمة العربية أعلن فيه تحمله المسؤولية، واستقالته من رئاسة مصر. فخرج العرب والمصريون في تظاهرات ضخمة يدعونه فيها للتراجع عن قراره، ففعل. إلا أن هذا السيناريو مستحيل حدوثه في جريمة القنصلية، لأن عبد الناصر، رغم أخطاء نظامه، كان صاحب مشروع قومي عربي، ووطني مصري، أوجد له قاعدة شعبية تسانده وتدعم سياساته، وهو أمر لا وجود له أبدا في سياسات القيادة السعودية. يقودنا ما سبق إلى أمرين هامين جدا، يعملان ضد رغبة القيادة السعودية في الخلاص من تبعات الجريمة، هما: أ) القاعدة الشعبية الداخلية: الملاحظ أن القيادة السعودية لم تخاطب شعبها مباشرة، وإنما من خلال ضحلي الثقافة والوعي السياسي من إعلامييها وعلمائها وذبابها الإلكتروني في محاولة لإيجاد قاعدة شعبية تستند إليها في مواجهة تداعيات الجريمة. وهؤلاء، جميعا، يطرحون أفكارا بائسة حول المؤامرة الكونية على بلادهم، وأن المخابرات القطرية والتركية هي المسؤولة عن اختفاء خاشقجي، أو عن وجوب صمت الشعب وترك الأمر لولي الأمر والعلماء كما قال خطيب الحرم المكي في خطبة الجمعة. وتتناسى القيادة أن الناس ينتظرون وعودا بإصلاحات تنقذهم من الاعتقالات والضرائب والبطالة، ويترقبون صدور تعهدات بالكشف عن الجناة ومعاقبتهم. إذن، تأخر الوقت، ثم ضاق كثيرا بعد ارتكاب الجريمة، فلم يعد ممكنا بناء تلك القاعدة. ب) القاعدة الشعبية العربية والإسلامية: على القيادة السعودية أن تفكر مليا في الضغط الشعبي العربي والإسلامي على تركيا لتتخذ موقفا شديدا من السعودية، لأن ذلك لا يمثل دعما وتأييدا لأردوغان وإنما يمثل انهيارا هائلا للقوة الناعمة للمملكة التي فقدت رصيدها الشعبي عربيا وإسلاميا، بسبب سياساتها الرعناء التي تقاربت فيها مع الصهاينة، وشاركت أبو ظبي في تدمير اليمن وليبيا، وتهميش مصر، وأثارت العداء والكراهية ضد الفلسطينيين، وساندت الطغاة كبشار الأسد، واستبدت في الخليج فحاصرت بلادنا، وتعاملت بعنجهية مع الكويت وعمان، ومارست العنصرية على اليمنيين والمقيمين فيها. ◄ كلمة أخيرة: من حفر الحفر للآخرين، سيقع في إحداها ويدفع ثمن ما اقترفته يداه من آثام وخطايا. [email protected]