15 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); (فاصلٌ قصير ونواصل) .. (.. وقبل ذلك نمضي لفاصلٍ ثم نواصل) ..يقذف بها مقدم البرنامج مكرهًا لا بطلًا في وجه المتلقي الذي يتابع مادةً عيَّنها عينًا وعيَّن ذات القناة التلفزيونية من أجلها لا من أجل استعراض سلعٍ هي في الغالب من باب (لزوم ما لا يلزم) .. فاصلٌ يفصل المتلقي والمقدم على حدٍ سواءٍ عن سياقٍ تقطعه دراما بلهاء مغرقةٌ في السذاجة والسماجة وهي تتقاصر كثيرًا عن إدراك نزرٍ يسيرٍ من الدهشة المفضية للإمتاع أو العقلانية التي تضيف معلومةً ذات بال.. وعندها ليس من المستبعد أن التأثير الحيوي على المتلقي هو ارتفاعٌ في ضغط الدم والسكر وانخفاضٌ مفاجئ في الأدرينالين وغير ذلك من تأثيرات ما يمكن أن أسميه اصطلاحًا (الحنق المفاجئ).وحتى عهدٍ قريبٍ لم تكن الدهشة شأنًا معقدًا كما هو عليه الحال اليوم.. ففي بدايات انتشار البث التلفزيوني بلونيه الأبيض والأسود كان يكفي تغيير الصورة أو المكان أو نبرة الصوت لتحدث الدهشة المطلوبة كعاملٍ حاسمٍ في إغراء المتلقي بالاستماع والاستمتاع في آن واحدٍ. وإبان تلك البواكير من عمر النقلة الإعلامية ممثلةٌ في البث التلفزيوني، كان حبل الصدقية موصولًا بين الجهاز الساحر الجديد وقلب وعقل المتلقي.. تبدأ العملية بالدهشة التي تغزو الوجدان تلقاءً ومن ثم تمضي نحو العقل ليأخذها مأخذ الجد مسلمةً لا يأتيها الباطل.. عند هذا الحد فالخبر الذي يبث هو الحق المبرم، والدراما هي واقعٌ يغري بتقديم مشروبات الفرح إن حالف الفرح البطل الذي يمثل الخير المحض، أو تساقط دموع الحسرة إن طغى عليه الخائن من يمثل الشر المحض المعادل. أما بالنسبة للسلعة محل الإعلان فيصبح كل ما يقال عنها مصدوقا كمثل وصفات الأطباء. بل إن الإعلان نفسه استحال لضربٍ من الترفيه تحفظ أهازيجه وتردد في أزمنة يثير الدهشة. بل وحتى مؤسسات الترويج كانت تحرص على النأي عن الاستغراق في الإطناب والمدح الزائف في حق السلعة. ومع تسارع تقانات الاتصال وتطور البث وانفتاح بوابات الفضاء على مصراعيها، مصدقًا لنبوءة ماريشال ماكلوهان، فقد تبدل الحال كثيرًا.. لم تعد الدهشة باليسر الذي كان، كما أن ظل الصدقية تقاصر كثيرًا.. ودع الإعلام مسلماتٍ كمثل قدسية الخبر ورصانة الإعلان وأخلاقيات المهنة لتستحيل جميعها لنسبياتٍ ممتدةٍ يفسرها كل على هواه.. وأصبح البهار هو سيد الطبخة والزبد هو خلاصة اليم. في غضون ذلك تكاثف استخدام المشاهير في أدوارٍ بلهاء لترويج السلعٍ المعلن عنها عبر المدح الأجوف والدراما السمجة التي لم تعد كفيلةً بخداع حتى الأطفال وهي عمليةٌ تعود بالفائدة على الفضائيات بل إنها عصب مداخيلها وعلى السلعة التي قد تقنع عشر المشاهدين بجودتها وجدواها ولكن لا عزاء للقطاع الأوسع من المتلقين. وإن كان من استثناءٍ فهو يتمثل في إعلانات المصارف وشركات صناعة السيارات، فهي على الأقل تحمِّل إعلاناتها معلوماتٍ ذات قيمةٍ وحتى ما تضيفه من المقبلات يظل في حدود المعقول.ويتمظهر تردي الإعلان المشاهد في ضحالة الفكرة، وهبوط المعالجة وسماجة الحراك والمفردات.. ومن المنظور السيكلوجي تكفي هذه المعايب لينفر العملاء من سلعٍ بعينها إذ أن فجاجة إعلانها والمبالغة المزرية تنبئ عندهم عن بوار السلعة ومجافاتها لما يقال عنها خلال دراما الثواني المعدودة.. أما المربع المسؤول عن ذلك التردي فيتمثل أولًا في منتجي تلك السلع، وثانيًا في شركات إنتاج الإعلان، وثالثًا في المشاهير الذين يقبلون بأداء تلك الأدوار التي تشابه أفلام الكرتون، ورابعًا في الفضائيات التي تبث الإعلان. وإذا كان عذر المشاهير هو الغنم المادي الذي لا يرفضه عاقلٌ، وعذر شركات إنتاج الإعلان هو غياب الإبداع بين كوادرها وإبقائها على أنماطها الكاريكاتورية طالما أن الشركات المعلنة تقبل وتدفع، وعذر الفضائيات أنها معنيةً بانضباط الإعلان بضابط القيم الحاكمة للقناة بيد أنه لا شأن لها بالمحتوى من حيث الرصانة أو الركاكة طالما أن المعلن يدفع وفق قائمة أسعارها، عندئذٍ فإن المسؤول الأول هو منتج السلعة المعلن عنها، وفي الظن أن وراء قصوره عن تجويد إعلان هو من يدفع قيمته الباهظة، ليخاطب العقل والوجدان معًا هو غياب الكوادر المبدعة القادرة على الفرز الجيد بين الترويج الرصين والسماجة البلهاء، وبإمكانه وضع الإطار العام لفكرة الإعلان وفرض المعالجات التي تحترم عقل المتلقي على الشركات المنتجة للإعلان.وبالمقارنة يختلف الإعلان المطبوع كثيرًا من حيث إن الصورة الثابتة قد لا تستفز الموضوعية كنظيرتها المتحركة التي تفعل ذلك عبر نحوٍ بهلواني ضحل، وفوق ذلك فالمطبوع يمنح المتلقي حرية أن يطالعه أو يتجاوزه داخل ذات المطبوعة، في حين أن المشاهد يمنح خيارين أضيق؛ فإما أن تشاهده أو أن تغلق الجهاز، أو تخفض الصوت في انتظار ذلك الـ(فاصلٌ قصيرٌ ونواصل..).خلاصة القول إن الإعلان المشاهد لا يزال يتخلف بسنواتٍ ضوئية عما بلغته وسائل الاتصال وتقاناتها من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى عما بلغه التطور في المعالجات الدرامية المشاهدة.