02 نوفمبر 2025
تسجيلنتفق تماما مع ما ذكره حديثا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح حول ضرورة تصحيح مسار الموازنة العامة وتفعيل دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي فضلا عن معالجة حالات الاختلال التي تعيق الاقتصاد الوطني. تزامن توقيت حديث أمير الكويت مع التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي مثل أزمة المديونية التي تعيشها بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل اليونان فضلا عن التعقيدات المرتبطة بحل معضلة مديونية الولايات المتحدة.دور النفط والدولةمن جملة الأمور اللافتة، تعتمد المالية العامة في الكويت بشكل مبالغ فيه على دخل القطاع النفطي. بل تعتبر المالية العامة في الكويت الأكثر اعتمادا على القطاع النفطي من بين سائر الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. يساهم القطاع النفطي ما بين 85 إلى 90 في المائة من إيرادات الخزانة العامة الأمر الذي يجعل جانبا مهما من الاقتصاد الكويتي تحت رحمة تطورات سوق القطاع النفطي. تزداد أهمية القطاع النفطي مع ارتفاع أسعار النفط والعكس صحيح في حال تراجع الأسعار في الأسواق الدولية.صحيح أن الكويت دولة نفطية وعضو في منظمة أوبك لكنها لا تمتلك قدرة التأثير على أسعار النفط. استنادا لتقرير لشركة (بريتيش بتروليوم) حول إحصاءات النفط والغاز، تستحوذ الكويت على نحو 2.5 في المائة من الإنتاج النفطي العالمي. بدورها، تلعب الميزانية العامة أي نفقات الدولة دورا حيويا في الحياة الاقتصادية في الكويت عبر مساهمتها بنحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.كما توفر مؤسسات القطاع العام فرص التوظيف لنحو 92 في المائة من العمالة الوطنية في الكويت ما يعد أمرا غير عادي. بل ليس من الواقعي توقع استمرار مؤسسات الدولة توفير فرص العمل للمواطنين بالنظر لدخول أعداد كبيرة من المواطنين لسوق العمل بحثا عن وظائف تتناسب وتوقعاتهم فيما يخص نمط الوظيفة والراتب. ويشكل السكان دون سن الخامسة عشرة نحو ثلث السكان وذلك على خلفية النمو السكاني المرتفع نسبيا. وهنا يكتسب حديث أمير الكويت حول تعزيز دور القطاع الخاص أهمية خاصة. استقطاب الاستثمارات من جهة أخرى، تعتبر الكويت الأقل ترتيبا بين دول مجلس التعاون الخليجي في العديد من المؤشرات الدولية. على سبيل المثال، تعد الكويت البلد الخليجي الأقل استقطابا للاستثمارات الأجنبية المباشرة أي طويلة المدى مثل إنشاء المصانع. وهذا ما تجلى في تقرير الاستثمار العالمي للعام 2011 ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) حيث أكد أن الكويت استقطبت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 81 مليون دولار مقارنة بأكثر من 28 مليار دولار بالنسبة للسعودية و5.5 مليار دولار لقطر.ويعود جانب من هذا الأداء غير المقنع للخلافات بين الحكومة ومجلس الأمة بشأن عملية الإصلاحات الاقتصادية خصوصا فيما يتعلق بإشكالية السماح لشركات أجنبية بالاستثمار في القطاع النفطي. فقد عمد مجلس الأمة إلى عدم فتح الصناعة النفطية في الكويت أمام الشركات الأجنبية بحجة وجود مادة دستورية لا تسمح بامتلاك شركات أجنبية بامتلاك حصة في القطاع النفطي. وقد تسبب هذا الإجراء بعدم قدرة السلطة تنفيذ مشروع الكويت والذي يهدف لمضاعفة إنتاج أربعة حقول واقعة في شمال البلاد إلى 900 ألف برميل في اليوم بكلفة تزيد عن 7 مليارات دولار على مدى 20 سنة.وتعرف الاستثمارات الأجنبية المباشرة بتلك الطويلة الأجل مثل الاستثمار في العقارات وإنشاء مصانع. وتعتبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة دليلا ناجحا على مدى قناعة المستثمرين الدوليين بأهمية الاستثمار في مختلف الدول وذلك بالنظر للآفاق المستقبلية لتلك الاقتصادات. مؤكدا : ليس بالأمر الهين استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة نظرا للمنافسة العالمية تقديرا لقدرة الاستثمارات في حل المشكلات الاقتصادية. الحرية والتنافسية الاقتصاديةكما أنه ما زالت الكويت في قاع ترتيب دول مجلس التعاون الخليجي في تقرير الحرية الاقتصادية ومصدره مؤسسة (هيريتاج فاونديشن) وصحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكيتين. فقد حلت الكويت في المرتبة رقم 61 من بين 183 مشمولا في تقرير 2011 مقارنة بالمرتبة رقم 10 فيما يخص البحرين. وتؤمن كل من مؤسسة (هيريتاج فاونديشن) وصحيفة (وول ستريت جورنال) أي الجهتان اللتان تقفان وراء التقرير بتقييد دور الحكومة في الشؤون الاقتصادية وجعلها تهتم بأمور مثل إصدار القوانين والسهر على تطبيقها. في المقابل، المطلوب منح مؤسسات القطاع الخاص الدور الرئيس في المسائل التجارية، ومرد ذلك اهتمام الشركات الخاصة بتحقيق الربحية ما يعني بالضرورة منح الزبائن قيمة وخدمات مقابل أموالهم. وتعتقد الجهات المصدرة لتقرير الحرية الاقتصادية أن تواجد القطاع العام في الاقتصاد يعد أمرا سلبيا بحد ذاته، وفي العادة يكون على حساب الحرية الممنوحة للقطاع الخاص. وامتدادا لنفس الأداء، حلت الكويت في المرتبة رقم 34 دوليا على مؤشر التنافسية للعام 2012-2011 والذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي أي فقط أفضل من البحرين بين دول مجلس التعاون الخليجي. في المقابل، حلت قطر في المرتبة رقم 17 لقطر على المؤشر أي الأفضل بين الدول العربية والإسلامية قاطبة. ويتميز تقرير التنافسية الاقتصادية باعتماده منهجية خاصة تتمثل بجمع المعلومات العامة المتوافرة إضافة إلى استطلاعات رجال الأعمال.ختاما، أملنا أن يكون حديث أمير الكويت مقدمة لإحداث نقلة نوعية في أداء الاقتصاد الكويتي عبر إقامة علاقة عمل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خلافا لما عليه الحال بالنسبة لفتح القطاع النفطي. ومن شأن تهيئة الوضع التجاري في البلاد تشجيع المستثمرين المحليين باستثمار جانب من أموالهم في الاقتصاد المحلي وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي وإيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين. طبعا المأمول إيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين خارج مؤسسات الدولة لأن المشهور أن حجم التوظيف في الحكومة أكثر من الحاجة في الوقت الحاضر.