11 سبتمبر 2025
تسجيلكل رحيل نحو الغرب تغريبة، قبل أن يلتبس المصطلح بمفهوم الاغتراب الآتي من الغربة، ولكنه اليوم يعود من جديد في الهجرة غير المسبوقة من السوريين نحو أوروبا الغربية، عبر أوروبا الشرقية، مما يمنح السوريين ميزة جديدة.لعلّ تغريبة الطرواديين المنكوبين بخديعة أوديس الذي خبّأ المحاربين في الحصان، تلتها تغريبة اليونانيين بعد سقوط القسطنطينية، وجاءت متزامنة مع تغريبة بني هلال الشهيرة إلى الغرب العربي بعد القحط الذي أصاب نجد، واستقرارهم في تونس الخضراء.وكان ثمة تغريبات أخرى وجدت في الغرب ملاذاً وساحة حرب، وفردوساً أرضياً، فالمغول غرّبوا من شمال الصين حتى فلسطين، والأوروبيون أخذهم هوس الاكتشاف إلى التغريبة البحرية التي منحتهم قارّتين وجدوا فيهما خلاصاً من ضيق موارد القارة العجوز، التغريبة التي شارك بها العرب (الشوام) في القرن التاسع عشر.غرّب الفلسطينيون القرن الماضي وشرّقوا بعد النكبة والنكسة، وكذلك فعل اللبنانيون، ثم تبعهم العراقيون، كان الغرب الاستعماري الذي شرّق قبل مائة عام أرض الأحلام، وتعدى شعار "باريس مربط خيلنا" صفة الانتفاخ الكاذب إلى الحقيقة المرّة، فقد جاءونا غازين، وجئناهم لاجئين، وفي كلّ الحروب التي خاضها العرب ضدّ الغرب المحتل لم يسقط شهداء عدد الضحايا التي خسرها العرب في حروبهم الأهلية.عندما ودّع السوريون ربيعهم المغدور سريعاً، كان أكثر من نصف السكان قد غادروا مساكنهم، وباتت التغريبة طبخة معدّة مسبقاً، في انتظار إعادة تسخين، فالطريق واضحة والمهرّبون مدربون، وجهات الاستقبال تملك الخبرة، ولم يعد في المسألة غير (الغرب والتغريبة) كمفهومين عجوزين يستعيدان عافيتهما من دم شعبٍ يقتل كلّ يوم وكل ساعة.بعد كلّ تغريبة ينبت أدبٌ عظيم، يكتبه شعب تذوق طعم الموت والفقد والذلّ، فقد ظلّت (الإنياذة) و(تغريبة بني هلال) أجمل أنشودتين تحكيان الرحيل والحب، واستعادة الأمل، في حين كانت ظاهرة الشعر المهجري (الشامي) ملحمة حنين متدفقة، قبل أن تذوب الأجيال التالية في ثقافات شعوب المستقر.بعد أن تهدأ حركة القطارات الذاهبة إلى ميونيخ وبرلين، وبعد أن يأخذ البحر حصّته، والقتلة حصّتهم، ستنطفئ النار، وسيكتب أبناء التغريبة أدباً لم تتذوقه لغة.