14 سبتمبر 2025
تسجيلالعطاء كثوب فضفاض يُخفي الكثير بين طياته؛ لذا يختلف معناه الحقيقي تحته ذاك الثوب، فمنا من يدركه جيداً، ويحرص كل الوقت على الإقدام عليه؛ مستنداً إلى أهميته العظيمة بالنسبة له من جهة، وأثره الفعال بالنسبة لغيره ممن يقاسمه الحياة من جهة أخرى، ومنا من يدركه غير أنه لا يتفق وبشكل كلي مع من سبقه؛ لذا نجده وقد سار وبغموض تام على درب العطاء لغايات يدركها وحده فقط، ولا يمكن للآخرين معرفة حقيقة ما يدور في رأسه سواه، ومنا أيضاً من يُقبل عليه ويتقدم به دون أن يشغل باله بفكرة السعي خلف معناه الذي يُطبقه في حياته، فالأمر بالنسبة له كواجب يكون من عقله الباطن دون أن يناقشه وعيه بما يفعله وما يجدر به فعله، وبين كل من سبق يظل العطاء ضرورة تقوم على ظهرها الحياة التي يجدر بها بأن تتمتع بصحة جيدة وقوام رشيق يسمح لها بأن تمضي بكل يسر دون تعثر ودون أن يوقفها أي شيء آخر يمكن له بأن يتسبب بتأخيرها عن مصالحها التي تقوم بتوزيع ثمارها في نهاية اليوم على كل من يستحقها. العطاء كلمة لها وقعها الذي يقع على (قلوب النبلاء) فيُثير بهجتها ويُحفزها على تقديم ما هو أفضل بكثير، دون الوقوع في شباك (ترقب المردود) وذلك؛ لأن الترقب يشد الانتباه نحو أمور أخرى غير التركيز على تقديم منتجات عالية الجودة تليق بكم العطاء المُقدم؛ لذا نجد بأن تلك القلوب تحاول البحث عن اللائق والمميز؛ كي يكون منها؛ لتحصد وفي المقابل ما يليق بها فعلاً وإن لم تكن قد صرحت بذلك منذ البداية، والحق أن هذا المقابل سيؤثر كثيراً، وسيُحدث فارقاً كبيراً في النفس سيشحنها أكثر بحيث أنها ستعطي وبكل حب؛ حرصاً منها على تلبية (غريزة البذل)، التي سيرتقي معها المجتمع ويتألق كما هو المأمول، الذي لا يعتمد عليها وحدها تلك النفس، بل على نفوس غيرها ممن وللأسف الشديد لا تُقدم على أي شيء إلا إن أدركت المقابل أو أي شيء من رائحته قبل أن تنبس بحرف واحد وكل ذلك؛ بسبب خوفها من تملص الطرف الآخر من مهمة تقديم ما هو لها قبل أن تتقدم بما هو له، والحق أننا وحين نقف على هذه الآلية المُتبعة من هذه النفس، نجدها وإلى حد (ما) تعتمد عليها من باب حماية حقوقها، وهو ما تتبعه؛ بسبب (غريزة دفاعية) لن يخمد إلحاحها حتى تُمسك بما هو لها في سبيل تقديم ما تملكه لسواها على أساس أن الثقة لازالت هشة ولم تشتد عظامها بعد؛ كي تُبادر النفس بالخطوة الأولى، ولعل ما ذُكر يُفسر ميل قلمي إلى تفهم هذا الموقف، ولكنه ما يكون حين يكون التعامل مع طرف جديد لربما لا نملك أدنى فكرة عن حقيقة ما يجوب أعماقه، ولكن وحين يكون التعامل مع النفس ذاتها، التي تشتاق إلى لحظات تخطفها منا؛ كي تبادلنا العطاء، فلاشك بأن الوضع سيختلف وذلك؛ لأن الطرف المقابل هذه المرة هي النفس، التي وكلما تقدمت لها بالعطاء، كلما أكرمتك بالعطايا، وكلما منحتها البعض، كلما منحتك الكل، حتى لينتهي بك الأمر وأنت أميرها، الذي يتمتع بعظيم ما لا يتمتع به سواه، فهل وبعد هذا كله ستفكر قبل أن تمنح نفسك ما لها؟الحب من أجمل الكلمات وأكثرها سحراً على القلب، وحين تتقدم به لنفسك ستجد منها وفي المقابل حباً لا يوازيه أي شيء، وسيلحق به الكثير من الاحترام والتقدير حتى ليصل الأمر إلى مرحلة الإعلان عن تصالحك مع ذاتك؛ لتجد بأنك الأكثر قدرة على العطاء الذي يبدأ بك وينتهي بغيرك، ممن لن تتقيد معهم بالبحث عن المقابل، الذي قد تنشغل به؛ لتتأخر معه وبسببه عن متابعة حياتك وما تحتاج إليه من تألق تستحقه، وتفوق لابد وأن تفوز به، ولكنك ستمضي نحو إنجازات ستُحسب لك وإن كان ذلك بعد حين لابد وأن تنتظره حتى يحين فهو المُراد. وأخيراًحبك لذاتك ضمن نطاق المشروع ليس كما يعتقد البعض بأنه وليد أنانية مُفرطة، ولكنه ضرورة لابد وأن تلتف إليها وتُلبيها بكل حب وذلك؛ كي تتمكن من إسعاد غيرك؛ لأنك ومتى تجاهلت ذاتك فلن تتمكن من تحقيق معادلة السعادة؛ كي تنطبق عليك فكيف سيكون الوضع حينها مع الآخرين؟ لاشك بأنك ستكون منهك القوى ولا قدرة لك على متابعة طريقك في هذة الحياة؛ لذا ستقف في حين أن غيرك سيتابع خطواته حتى يصل إلى حيث يجدر بك بأن تكون، وعليه فلتتذكر بأن ما تحتاجه؛ كي تحقق ما تريده هو أن تتصالح مع ذاتك وتبدأ بحبها، وتدريبها على معنى العطاء الحقيقي، الذي يجدر بك تطبيقه على ذاتك، ثم فلتنطلق نحوها أهداف حياتك؛ كي تحقق كل ما تريده؛ ليكون لك بإذن الله تعالى متى أراد لك ذلك.