19 سبتمبر 2025

تسجيل

الثورة العربية والنموذج التركي!

16 سبتمبر 2011

استقبال شعب مصر لأردوغان يوضح أن عصراً جديداً قد بدأ في تاريخ العالم كله.. فأردوغان هو أول زعيم يُستقبل في مصر بكل هذا الحب. كانت مشاعر شعب مصر وهو يستقبل أردوغان عفوية وصادقة ودون تدخل من السلطة، لذلك فإن المشهد لابد أن تتم قراءته من زوايا مختلفة وبرؤية جديدة لاكتشاف الدلالات، والتعرف على شكل العلاقات الدولية في المستقبل، ويمكن أن ترصد هذه الدلالات فيما يلي: 1- إن السلطة في مصر منذ عام 1952 قد حاولت أن تشوه صورة الأتراك في أذهان المصريين، وأن تقدم تاريخاً زائفاً يدور حول الاحتلال العثماني لمصر، وظلمهم للمصريين، لكن السلطة فشلت في ذلك، وظل شعب مصر يحتفظ بمخزون من مشاعر الحب والاحترام للعثمانيين ويدرك أن العصابات الصهيونية لم تكن تستطيع أن تحتل فلسطين عندما كانت الخلافة العثمانية قوية، وأن الاستعمار الغربي عمل على إسقاط الخلافة لكي يحقق هدفه في إقامة دولة إسرائيل. ورغم عملية تشويه التاريخ التي قام بها الاستعمار الغربي والحكام المستبدون إلا أن شعب مصر ظل يحتفظ بالحقيقة الواضحة وهي أن العثمانيين استطاعوا حماية العالم الإسلامي لقرون طويلة من الاستعمار خاصة مكة والمدينة والقدس. لقد أوضح استقبال شعب مصر لأردوغان أن عملية تزييف التاريخ وتشويه صورة تركيا قد فشلت، وأن التاريخ الحقيقي يمكن أن يشكل علاقات جديدة بين دولتين تملكان إمكانات القوة في كل المجالات. 2- إن النموذج الديمقراطي التركي الحديث الذي أتاح لحزب العدالة والتنمية أن يصل إلى الحكم يثير خيال الثوار المصريين الذين يتطلعون إلى بناء مصر الديمقراطية الحديثة، وأنه يمكن الاستفادة من هذا النموذج التركي مع إضافة الإبداع المصري لبناء نموذج ديمقراطي جديد يشع بنوره على العالم العربي الذي حرم طويلاً من الديمقراطية، وهذا النموذج يمكن أن يغير وجه الحياة في المنطقة ويبني مستقبلها على قاعدة الحرية واحترام حقوق الإنسان وإرادة الشعوب. 3- إن حزب العدالة والتنمية قد نجح في تحقيق الإصلاح الاقتصادي في تركيا، وبنا لشعب تركيا نهضة اقتصادية وثقافية وسياسية شاملة، وهذه النهضة كانت نتيجة لكفاح طويل استطاع فيه الحزب أن يجمع العقول المفكرة المبدعة من الذين حصلوا على تعليم حديث، وتطلعوا إلى الإسلام ليفجر طاقات شعب تركيا، وليجعل هذا الشعب يلتزم بمنظومة من القيم والأخلاق التي جعلت الجميع يحترمون رجال الأعمال الأتراك ويتطلعون للتعامل معهم، كما جعلت رجال الأعمال يكافحون بشرف لبناء اقتصاد مزدهر. نموذج رجل الأعمال التركي يثير خيال الشعوب العربية التي عرفت نموذجاً مختلفاً يقوم على النهب والفساد وتحقيق أكبر قدر من الأرباح بأساليب غير مشروعة. لذلك فإن الشعوب العربية تتطلع إلى رجال أعمال جدد يبغون اقتصاداً جديداً يقوم على الإنتاج والأخلاق كما فعل رجال الأعمال الأتراك. ولقد أدرك أردوغان ذلك فحرص على أن يصحب في رحلته المئات من رجال الأعمال ليبحثوا إمكانات التعاون الاقتصادي الذي يحقق الازدهار للبلدين. أردوغان يعرف جيداً أن القوة الاقتصادية التركية سوف تزيد عندما تلتحم تركيا بالعالم العربي، والذي يمكن أن يفتح لها الطريق نحو إفريقيا. أما مصر فإنها تتطلع إلى إصلاح اقتصادي يفتح المجال للنهضة والتقدم واستثمار الموارد المادية والبشرية. لذلك فإن تركيا ومصر يمكن أن يبنيا معاً نظاماً اقتصادياً عالمياً جديداً. 4- إن تركيا قد عادت بقوة إلى العالم العربي وأكدت إرادتها المستقلة وأنها يمكن أن تتخذ الموقف الذي يعبر عن قوة الشعب التركي وأصالته. لذلك ظهرت قوة تركيا في مواجهة إسرائيل، حيث أكدت تركيا أنها دولة لها مكانتها الإقليمية التي يجب أن يحترمها الجميع، وهذه القوة في صالح العرب الذين عانوا طويلاً من خضوع حكامهم الضعفاء لإسرائيل. ولقد أسهم ذلك في زيادة مشاعر حب المصريين والعرب كلهم لأردوغان وتركيا وهو ما تجلى في ذلك الاستقبال الرائع. كما أراد شعب مصر أن يقول إنه يحب بطولة وشجاعة وفروسية وأصالة وقوة أردوغان، وأنه يتطلع إلى قائد يؤكد قوة مصر ويعبر عن مكانتها كدولة قوية، وأردوغان يثير الخيال والآمال. أراد شعب مصر أن يقول لأردوغان إننا نحب بطولتك ونقدر مواقفك لذلك نستقبلك بكل الحب، وأن قوة تركيا ومصر سوف تشكل مستقبلاً أفضل لكل شعوب المنطقة. وسوف يعود أردوغان إلى تركيا أكثر قوة، فالشعب التركي سيدرك أن اقتصاده سيزدهر بزيادة علاقات التعاون مع مصر الثائرة التي تتطلع لبناء النهضة والديمقراطية.