14 سبتمبر 2025

تسجيل

«فجر التابعين».. مجزرة شهداء «الكيلو»

16 أغسطس 2024

من الصعب تصور المجازر التي تحدث في قطاع غزة فهي أكبر من التخيل أو أن يصدقها العقل!. اليوم لم يعد الحديث عن جثامين شهداء إنما أوزان الأشلاء؛ لتحسب كل (٧٠) كيلو عبارة عن شهيد!. الأمر الذي جعل الكلمات ثقيلة جدا فحروفها عاجزة كل العجز أن تصف المشهد فهي في حالة صدمة وذهول فلم تعد للمجزرة جثامين للصلاة عليها؛ إنما أشلاء لشهداء اختلطت بعضها ببعض كما امتزجت دماؤها الطاهرة في المصلى وساحة المدرسة. في فجر غزة النازف سمعت قصفا مخيفا لم يكن بعيدا لم أسأل طويلا عن مكان القصف فقد جاءت الإجابة سريعة أسرع من صوت البرق. فملامح الفاجعة لأهل الحي كانت كافية بالإجابة عن حدوث مجزرة مروعة شهدها النازحون في مدرسة التابعين بمدينة غزة. مع تكبيرة الإحرام «الله أكبر» قصف المصلون بثلاثة صواريخ كانت أكبر وأثقل بكثير من أجسادهم الطاهرة المتوضئة المقبلة على الله (تعالى). أكثر من (١٢٠) من المصلين النازحين أطفال ونساء ورجال لم تعد لهم جثامين أصبحوا عبارة عن أشلاء مقطعة قطعا صغيرة يصعب على العقل أن يصدق أنها قطع لحم بشرية فهي مثل اللحوم التي تشترى من الجزار وتوضع في أكياس!. كان مشهد الأب المكلوم مفجعاً وهو يبحث عن طفله علي ورغم بحثه لساعات طويله إلا أنه لم يجده حيا أو حتى يجد له جثمانا فحينما سأل عن عمر طفله أجاب بأنه يبلغ من العمر «٦ سنوات» تم إعطاؤه كيسا يحتوي على (١٨) كيلو من قطع اللحم البشرية!. النازحون كانوا يعيشون في ظروف إنسانية صعبة مثلهم مثل كافة أبناء غزة فقد قصفت منازلهم فلم يجدوا غير المدرسة مكانا يؤوي ضعفهم داخل جدران فصل دراسي مضطرين له. هم أنفسهم الذين جاعت أمعاؤهم الخاوية وعانت من قلة الطعام والماء، هم أنفسهم من لم يجدوا راحة لأجسادهم التي أنهكتها حرب امتدت لأكثر من عشرة شهور وما زالت نيرانها مشتعلة. هم أنفسهم الذين قاسوا معاناة حرارة الصيف وبرد الشتاء، هم أنفسهم الذين لم يجدوا ملابس كافية لحر الصيف أو برد الشتاء. هم أنفسهم كذلك الذين كانوا يعدون استعدادهم لسرد القرآن كاملا على جلسة واحدة لليوم التالي. المدرسة كان أغلبها أطفال ونساء لا حيلة لهم ولا قوة إلا بالله لم يجدوا غير المدرسة إيواء لنزوحهم القسري فعدد منهم فقد عائلته شهداء في مجازر سابقة وفي هذا المجزرة فقدوا ليس فقط من تبقى لهم؛ بل فقدوا أنفسهم. أطفال بعمر الزهور كان يسرقون بعض الأوقات التي لا يسمعون فيها صوت القصف حتى يلعبوا بساحة المدرسة فتارة يركضون خلف بعضهم البعض، وتارة يجتمعون فيما بينهم ويتحدثون عن أحلامهم وخوفهم واشتياقهم للعودة لبيوتهم. هم ذاتهم الذين يرتجفون في أحضان أمهاتهم حينما يسمعون أصوات الصواريخ والقصف فيركضون إلى أحضان أمهاتهم ظنا منهم أنها تؤويهم من فجع هذه الصواريخ. لكن هذه المرة عجزت أمهاتهم أن تؤويهم فقد تناثرت أجسادهم الصغيرة في ساحة المدرسة فلم يعد يسمع لهم صوت ولم يعودوا بحاجة لمن يؤويهم بعد ذلك.