10 سبتمبر 2025

تسجيل

الحجر بكى على وجع غزة

10 مايو 2024

كنت أسير في أحد شوارع غزة وأنا التفت يمينا ويسارا حيث الدمار الهائل الذي لحق بالبيوت والمحلات كنت أنظر بوجع لحال غزة فالمصاب كبير فكل بيت كان يحتضن في أحشائه عائلة غيبتهم جميعا صواريخ الاحتلال. الكثير منهم ما زال متواجدا مع حجارة بيته أو بالأصح تحت ركام البيت فالعديد من الجثامين إلى الآن ما زالت مغيبة عن تواجدها في القبور. كانت خطواتي مثقلة بالألم خففتها حينما سمعت صوتا ينادي باسمي التفت حيث وجدت صديقتي أسماء تستقبلني بالأحضان والاشتياق لم أكن قد رأيتها منذ زمن بعيد هذا اللقاء رسم في قلبي فرحة حينما علمت أنها بخير رغم وجود بعض الاصابات التي كانت واضحة على وجهها بعد تعرض منزلها للقصف. ملامح الصبر كانت واضحة عليها لكن نبرات صوتها كانت تؤكد أن هنالك مصابا جللا أكد هذا الشعور حينما سألتها عن شقيقتها أسمهان لتخبرني أنها استشهدت مع زوجها وأبنائها جميعا وكذلك ابنتها التي لازالت عروسا، حيث زفت إلى عريسها الذي استشهد معها قبل فترة قصيرة من بدء الحرب الغاشمة على غزة. كان من الصعب علي مواساتها أمام جرحها العميق خاصة أنها حرمت من وداعها أو حتى رؤيتها ولو لحظة واحدة حيث استشهدت شقيقتها في الجنوب حيث نزحت هنالك وهي تسكن في شمال غزة ومنع الاحتلال التنقل الأمر الذي جعلها عاجزة عن احتضانها للمرة الأخيرة. في هذا الوقت اقتربت منا شابة لم تكن ملامحها غريبة علي مباشرة قلت لها «أنت أمل صح؟!» ابتسامتها وسلامها العميق كان يؤكد الإجابة فقد كانت زميلاتي في المرحلة الثانوية وغاب اللقاء سنوات طويلة تجدد في لقائها اليوم. أخبرتها بأن اسمك أمل ولعله بارقة أمل وتفاؤل وسط وجع قطاع غزة المظلوم. سألتها عن عائلتها وحالها فكانت الإجابة غير متوقعة حينما أخذت تسرد لي قائمة طويلة من شهداء عائلتها من بينها والدها ووالدتها والقائمة طويلة حيث قصف الاحتلال المنزل على عائلتها بدون سابق إنذار. وهذه سياسة الاحتلال في عملية الإبادة فكثير من العائلات محيت من السجل المدني ولم يعد لها اسم بعد استشهاد كافة أفرادها. حاولت ألا أطيل الوقف معهن فالوضع لا يحمل الأمان فالاحتلال بالنسبة له كل شيء مباح ومستهدف. وأنا أسير لأكمل طريقي استوقفتي رؤية د. عبدالخالق من الدكاترة الأفاضل الذين تتلمذت على أيديهم في المرحلة الجامعية فكان دائم التشجيع لي ويفتخر بأنني من طالباته كلما وجد تقريرا أو مقالا يحمل اسمي عليه. كانت ملامح وجهه تتكلم الكثير وانحناء ظهره أكد لي بأنه موجوع أردت سؤاله عن حاله وعائلته لكنه بادرني بالقول «بتعرفي ابني محمد.. محمد استشهد». كنت كلما أسير تتثاقل خطواتي فكان يوما ثقيلا على قلبي الأمر الذي جعلني أخشى أن التقي بأحد أعرفه أو حتى لا أعرفه فغزة كلها بالنسبة لي هي أهلي وعائلتي فمن أصابه شيء فقد أصاب قلبي كذلك. كلما سمعت أو رأيت شيئا في غزة من استشهاد أو دمار كنت أقول لو كان الحجر يتكلم لسمعت بكاءه وأنينه على حال غزة ووجعها فحال الدمار كان يرسم ملامح حزينة تؤكد ذلك.