12 سبتمبر 2025
تسجيلمعظم الناس في هذه الحياة، تعشش في رؤوسهم أفكار الاستحقاق والرغبة، "نحن نستحق كذا ونرغب في كذا".. "نحن أولى الناس بالشهرة و الثراء".. "نحن موهوبون أكثر من غيرنا.. فلماذا يُفضل الناس الغير، علينا!"، وغيرها من الأفكار المشابهة، ينسى هؤلاء أن الدنيا اختبار، وكل ما يمر به الإنسان، هو اختبار مُصغر (QUIZ) سواء أكان جيداً أم سيئا، يقول الله تعالى في سورة الأنبياء: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء آية ٣٥)، في هذه الآية، حقيقة الدنيا التي نعيشها، نحن نحيا لنموت، وما بينهما يختبرنا الله بالمصاعب كالمرض أو موت الأقارب أو خسارة الأموال أو غيرها من الشدة، ليرى الله طريقة تعاملنا مع هذه الشدة.. هل سنصبر؟ هل سنتقرب له أكثر؟ هل سنفعل الخير أم سنقابل الشدة بالسخط والتحدي وفعل السيئات؟. اختبار الله لا يتوقف عند الابتلاءات، بل يستمر حتى مع الأحداث والمواقف الجيدة، الله يختبر الإنسان وقت الرخاء والسعادة والرزق الوفير أيضاً، ليرى ماذا سيفعل عبده مع كل ما أُعطي، هل سيشكر الله ويحمده؟، هل سيذكر الله أصلاً؟ هل سيعطي غيره جزءاً مما أعطاه الله؟، هل سيستمر في فعل الخيرات أم سيتوقف؟ وبعد هذه الاختبارات كلها، نموت كي نعرف نتيجة الاختبار الكبير، هل نجحنا فيه أم رسبنا؟ هل مكاننا الجنة أم النار؟. ابتلاء الله لنا بالشر أو فتنتنا بالخير، لا يُشترط منا أن نعرف أسبابه أو الحكمة الإلهية منه.. قد لا نعرف وقت الشدة بأنها خير لنا على المدى القريب (في الدنيا) أو البعيد (في الآخرة)، والأكيد أن لكل أجره وحسابه عند الله، أهل السفينة التي خرقها سيدنا الخضر في قصته مع نبي الله موسى، لم يعرفوا بأن هذه خيرة لهم، بدل أن يأخذها منهم الملك الظالم، بل إن حتى سيدنا موسى لم يعرف بأن هذا خير لهم! وأهل الغلام الذي قتله الخضر لم يعرفوا بأن موته أفضل لهم وله، فمصيره الجنة بعد أن مات بلا ذنب، وقدرهم أن يرزقهم الله ابناً صالحاً آخر لا يرهقهم طغياناً وكفراً. وأنا أستذكر اختبارات الدنيا، أفكر بكلام عالم دين يهودي، قال ما معناه، إن الله يختبر صدق معدن الإنسان الخير عبر تأخيره أو عدم مكافأة أعماله الجيدة، بمعنى أن اختبارات الله لنا، تُبين الشخص الجيد من السيئ، فلو أن كل عمل جيد نكافأ عليه فوراً من الله، فلا يصيبنا إلا ما هو خير، لأصبح كل الناس أخيارا، وانقرض الأشرار، فالجميع يطمح للخيرات والسعادة، ولكن لأن الله يرغب في التمييز بين عباده، قد يؤخر مكافأة الإنسان الخير، بل وقد يصل الخير إلى الإنسان السيئ ما إن يعمل عمله السيئ. وفي كل عمل منه سبحانه، اختبار، فاختبار الإنسان الخير الصبر على ما يصيبه، وقد يكون اختبار الإنسان السيئ النظر في مكافأة الله له.. هل ستصيبه بالغرور أم سترجعه إلى طريق الحق؟. وهكذا هي اختبارات الدنيا، لا نعرف متى تبدأ ولا نهاياتها أو أسبابها أو الهدف منها، المطلوب منا أن نصبر وأن نُسلم أمرنا لله وأن نستسلم له، فهذا يرفع درجات الإنسان عند الله، ويجعل حياته أسهل ومحتملة أكثر، عندما يعرف بأن هنالك سببا وراء كل شيء، وأن "الله يعمل بطرق غامضة" كما يقول الإنجليز.