18 سبتمبر 2025

تسجيل

حول إعادة هندسة الدعم في مجلس التعاون

16 أغسطس 2015

يشكل قرار الإمارات بتغيير طريقة تسعيرة بعض المشتقات النفطية الرئيسية نقلة نوعية في عملية إعادة هندسة الدعم على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي. وربما توفر تجربة الإمارات حافزا لبعض الدول الأخرى في المنظومة الخليجية لتغيير مستويات أسعار بعض السلع الإستراتيجية المدعومة حاليا عبر جعلها قريبة من المستويات العالمية أينما كان ممكنا وضروريا. فابتداء من شهر أغسطس غيرت الإمارات العمل بنظام الأسعار المحلية الثابتة والمدعومة للبنزين والديزل إلى نظام جديد عبارة عن تعديل الأسعار شهريا بواسطة لجنة مختصة. وهذا يعني تسعير بعض المشتقات النفطية وفق اتجاهات الأسعار على مستوى العالم والتي يجب أن تكون متروكة لعوامل العرض والطلب بطريقة أو أخرى. المعروف بأن تكتلات مثل منظمة أوبك تؤثر على مستويات عرض النفط الخام وبالتالي الأسعار، الأمر الذي يحد من قانون العرض والطلب. مؤكداً، هناك الكثير من الأسباب التي دعت الإمارات لإعادة هندسة الدعم من قبيل ضمان بقاء الثروات النفطية للأجيال القادمة والحفاظ على البيئة والتنمية. طبعاً لا يمكن التغاضي عن مسألة المالية العامة في خضم تراجع أسعار النفط منذ منتصف 2014 وعليه التأثير سلبا على إيرادات الخزانة العامة. ركزت الإمارات في الماضي على التنويع الاقتصادي لتقليص الاعتماد على القطاع النفطي. الجديد في الأمر عبارة عن الحد من الدعم الحكومي لتحقيق بعض هذه الأهداف الاقتصادية عبر تعزيز الإيرادات وتقليص المصروفات. التصور الموجود بأن التغيير سوف لن يؤثر بشكل نوعي على موازنة الأسرة في الإمارات. تشير الأرقام الرسمية بأن الصرف على البنزين لما قبل قرار الزيادة كان يمثل نحو 4 بالمائة من مجموع نفقات الأسرة الإماراتية، ما يعني بأنها ليست كبيرة، بل إن الزيادة الفعلية سوف تطال الأجانب والذين يمثلون قرابة 90 بالمائة من السكان. وكان لافتا قرار الهيئة المختصة بتخفيض أسعار الديزل 29 بالمائة مقابل زيادة رفع قيمة البنزين بواقع 24 بالمائة مع دخول المشروع الجديد حيز التنفيذ وفي ذلك رسالة بأن إعادة الهندسة لا تعني بالضرورة أو دائما رفع مستويات الأسعار وبأن الأمر سوف يعكس التوجهات العالمية، على أن يتم تحديد ذلك شهريا. يبقى أن الأسعار الجديدة لبعض المشتقات النفطية في الإمارات أقل من المستويات العالمية. السعر الجديد للبنزين من نوعية 95 أوكتان بعد ارتفاعه عبارة عن 58 سنتا أمريكيا للتر الواحد، أي أقل من المتوسط العالمي وقدره دولار للتر. في المقابل، تراجع سعر الديزل لحد 56 سنتا للتر مقارنة مع 96 سنتا للتر على مستوى العالم. تتعارض الإحصاءات حول حجم التوفير المالي المتوقع للإمارات من جراء إعادة هندسة الدعم. فحسب تقرير لصندوق النقد الدولي، يوفر إصلاح المشتقات النفطية نحو 500 مليون دولار مع نهاية 2015، لكن تقارير أقل صدقية تتحدث عن توفير 7 مليارات دولار سنويا. كما لا يمكن التغاضي عن الفوائد الأخرى لتعديل الأسعار، مثل الحد من الانبعاثات وعوادم السيارات، عبر التأثير على خيار استخدام العربة الخاصة. وربما يذهب بعض غير المواطنين لخيار المشاركة في السيارة الواحدة للانتقال إلى ومن العمل أو بالنسبة لمدارس الأطفال في حال توافر الإمكانية. طبعا الخيار الآخر في إمارة دبي عبارة عن استخدام المترو والذي بدأ تشغيله في عام 2009 في تجربة رائدة على مستوى مدن مجلس التعاون الخليجي. وليس من الواضح فيما إذا كانت الإمارات سوف تتبع إعادة سياسة دعم البنزين والديزل بالتوجه نحو تقليص الدعم المقدم للغاز الطبيعي. وربما يكون هذا القرار أكثر صعوبة لارتباطه بالقطاع الصناعي وما لذلك من دور في الاقتصاد المحلي. لا يندرج الحديث عن إعادة هندسة دعم بعض المشتقات النفطية بسبب وجود نقص في الثروات النفطية، بل حول الاستخدام الأمثل للثروات. حقيقة القول، جاء في نسخة 2015 من تقرير الإحصاءات ومصدره شركة بريتيش بتروليوم بأن دول مجلس التعاون بصورة مجتمعة تتحكم بنحو 30 بالمائة من إجمالي احتياطيات النفط المعروفة في العالم. تستحوذ الإمارات على نحو 6 بالمائة من الاحتياطي النفطي العالمي وهي نسبة ضخمة بالنسبة لبلد واحد في منتج إستراتيجي، أي الذهب الأسود. كما تمتلك الإمارات ثروة سيادية أكثر من أي دولة في العالم، كما يؤكده معهد الثروة السيادية. لدى الإمارات نحو 1.2 تريليون أو 1200 مليار دولار من الثروة السيادية. حقيقة القول، تعتبر أسباب إعادة هندسة الدعم في بعض الدول الأخرى في مجلس التعاون أكثر أهمية من الإمارات. فحسب تقرير متخصص صدر حديثا بواسطة بنك دوتشه الألماني، يشكل دعم قطاع الطاقة نحو 2.9 بالمائة و4.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات والسعودية على التوالي. بل أسعار البنزين في بعض دول مجلس التعاون أقل من الإمارات بشكل نوعي حتى قبل التعديل الأخير. على سبيل المثال، يبلغ سعر البنزين في السعودية 16 سنتا للتر الواحد، أي أكثر بكثير من الإمارات. توجد نية في ثلاث دول أخرى أعضاء في مجلس التعاون وتحديدا الكويت وعمان والبحرين لإعادة هندسة دعم المشتقات النفطية، لكن قرار التطبيق سوف لن يكون هينا. وربما تنتظر هذه الدول نتائج تجربة الإمارات فيما يخص إعادة هندسة دعم المشتقات النفطية قبل اتخاذ خطوات تنفيذية. ويلاحظ في هذا الصدد تراجع البحرين عن تطبيق فكرة إعادة هندسة دعم اللحوم الحمراء للمزيد من الدراسة. وكان من المقرر تطبيق نظام جديد للحوم الحمراء ابتداء من أغسطس، أي بالتزامن مع خطوة الإمارات بالنسبة للمشتقات النفطية. في المحصلة، يعتبر قرار الإمارات بإعادة هندسة أسعار المشتقات النفطية خطوة غير عادية بالنسبة لدولة تتمتع بثروات نفطية هائلة من جهة وثروة سيادية ضخمة من جهة أخرى.