11 سبتمبر 2025

تسجيل

قمة الناتو.. تعمّق الحرب الباردة بين الغرب وروسيا

16 يوليو 2023

عُقدت قمة حلف شمال الأطلسي- حلف الناتو الأسبوع الماضي 11-12 الجاري-في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا (كانت جمهورية محتلة من الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة)-شكلت القمة انجازاً تاريخياً-غير مسبوق. بكونها القمة الثانية بعد قمة مدريد العام الماضي التي أرست موقفا واضحا بأن روسيا تشكل أكبر تهديد للأمن الأوروبي بعد الاعتداء على سيادة أوكرانيا وتغيير طبيعة الجغرافيا في أوروبا بالقوة العسكرية... قمة الناتو الثانية منذ اندلاع حرب روسيا على أوكرانيا، والأولى التي تشارك فيها فنلندا-لتنهي حيادها تجاه روسيا منذ عدة عقود وتضاعف مساحة حدود دول الناتو بزيادة 1300 كلم مع حدود روسيا. لتصبح العضو 31 لأقوى حلف عسكري في التاريخ في أبريل 2023. كما وضعت القمة السويد الدولة الاسكندنافية الأكبر والأقوى بقدرات عسكرية واقتصادية وتكنولوجية على سكة الانضمام للحلف بعد ممارسة الحياد كفنلندا- وذلك بعد رفع الرئيس أردوغان الفيتو على انضمام السويد للحلف بعد موافقتها على تسليم الشخصيات التي تصنفها تركيا بالإرهابية من الأحزاب الكردية ورفع حظر تزويد تركيا بالسلاح-برغم توجيه أردوغان انتقادات لاذعة لموافقة الحكومة السويدية على طلبات حرق نسخ من القرآن الكريم كانت احدها أمام السفارة التركية في استكهولم. وببراغماتية ومقابل تنازلات من أمريكا بالعمل على تزويد تركيا بصفقة مقاتلات F-16، ودعم السويد عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي بعد خمسة عقود من الانتظار، تراجع الرئيس أردوغان وسيعمل مع البرلمان التركي لبدء إجراءات انضمام السويد لحلف الناتو. لكن كانت الصدمة كما كان متوقعاً بعدم دعوة أوكرانيا للانضمام لحلف الناتو ولا حتى وضع جدول زمني لانضمامها للحلف. منذ البداية لم يكن واقعياً طلب وإصرار زيلنسكي على عضوية أوكرانيا في حلف الناتو. خاصة أن أوكرانيا في حالة حرب مفتوحة مع روسيا- وتقبل عضوية الدولة الحلف في حالة حرب- ولا يتوفر إجماع للدول الأعضاء على قبول أوكرانيا في الحلف. معلوم أن المادة الخامسة في ميثاق الحلف تخول الدولة المُعتدى عليها (أوكرانيا) طلب تفعيل المادة الخامسة، يعد اعتداء يستوجب على جميع الدول الأعضاء في الحلف الدخول بحرب بشكل مباشر ضد روسيا. لذلك كما كان متوقعاً، تم إرجاء انضمام أوكرانيا إلى الحلف حتى تكون في وضع يسمح بعضويتها بنهاية الحرب وعندما تلبي الشروط المتعلقة بالعضوية! مما أغضب واستفز الرئيس الأوكراني فولاديمير زيلنسكي الذي انتقد الحلف بوصف موقفه بالضعيف أمام روسيا- مما أغضب الطرف الأمريكي والأوروبي. وعلّق وزير الدفاع البريطاني بين ووالس-أن على زيلنسكي إبداء مزيد من التقدير لما يقدمه الغرب من دعم ومساندة لأوكرانيا في مواجهتها في الحرب ضد روسيا خلال السبعة عشر شهراً الماضية. خاصة مع تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن الالتزام بدعم أوكرانيا بلا تردد برغم تراجع تأييد قياديّ الحزب الجمهوري وخاصة ترامب وديسانتس متصدري المرشحين عن الحزب حسب استطلاعات الرأي. وكذلك تراجع تأييد الناخبين الأمريكيين وخاصة الجمهوريين من الدعم اللا-مشروط لأوكرانيا وآخرها الموافقة على امداد أوكرانيا بقنابل عنقودية محرم استخدامها من 100 دولة ومقاتلات F16 التي حذر وزير الخارجية الروسي لافروف أن ذلك سيؤدي لتعقيد العلاقات ويشكل تهديدا نوويا لروسيا! يتزامن ذلك مع تعثر الهجوم المضاد الذي تشنه القوات الأوكرانية منذ أكثر من شهر لاستعادة أجزاء من الأراضي والمناطق تسيطر عليها القوات الروسية في الأقاليم الأربعة التي ضمتها من أوكرانيا وتشكل حوالي 20% من مساحة الأراضي الأوكرانية بمساحة 100 كلم مربع! لكن أهم انجازات القمة توسيع عدد الدول الأعضاء ومضاعفة حدود دول الناتو مع روسيا- هو التأكيد على وحدة وتماسك الحلف بمواجهة روسيا والحد من أطماعها ضمن مفهومي الحرب الباردة والحرب بالوكالة. والتأكيد على دعم أوكرانيا عسكرياً وسياسياً، حتى مع عدم منح أوكرانيا العضوية. وتكرار الرئيس بايدن استعداد أمريكا ودول الناتو الدفاع عن كل شبر (انش) من أراضي الأعضاء... في إعادة تأكيد التزام الحلف التمسك بمفهوم الأمن الجماعي للدول الأعضاء في مواجهة أي تهديدات وخاصة من روسيا. وحتى في المستقبل من الصين في مناطق نفوذ الغرب. حيث تسعى كل من روسيا والصين على التأثير وترك بصماتهم على النظام العالمي المتعدد الأقطاب قيد التشكيل وعدم ترك الغرب التحكم بتشكيله ودوره ونفوذه برغم ضعف روسيا من الحرب وتمرد مرتزقة فاغنر. وهذا سينعكس على علاقتنا مستقبلاً مع الطرفين! حققت قمة الناتو أهدافها وانتصاراً لقيادة بايدن. وكذلك انتصارات لأردوغان والسويد وخسارات مدوية لبوتين وزيلنسكي. وأتت نتائج إعلان فلينوس في نهاية القمة واضحة في تعميق حالة الحرب الباردة بين الغرب وروسيا وحلفائها، وذلك لتأكيد خسارة بوتين وروسيا الاستراتيجية وليس العسكرية، لتكبيده ثمن حربه على أوكرانيا حتى تشكل حالة رادعة تمنعه من تكرار مغامرات الاعتداءات. وهذا ما يكرره المسؤولون الروس وأخره بعد يوم من انتهاء قمة الناتو. كررت وزارة الخارجية الروسية هدف الولايات المتحدة والناتو إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا والعودة لمخططات الحرب الباردة، لتحافظ على هيمنتها العالمية. وسعي حلف الناتو لتكريس صورة وموقف سلبي والمبالغة بتهديدات الصين. يدعم هذه المواقف الروسية المتشنجة تصريحات وشطحات الرئيس السابق دونالد ترامب والمتصدر مرشحي الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة عام 2024، بتحذيره المبالغ فيه أن قرار الرئيس بايدن إرسال 3000 من قوات الاحتياط إلى أوروبا كارثي ويترك حدودنا غير محمية...وأن إدارة بايدن تدفع أمريكا إلى حرب عالمية ثالثة»! لا شك أن تلك المواقف جميعها تعمق وتعقد النسخة الثانية من الحرب الباردة بين الغرب وروسيا. وتعيد عقارب الساعة لحقبة الحرب الباردة الأولى المستنزفة بين القطبين بعد الحرب العالمية الثانية. بسباق تسلح نووي محموم وبحروب بالوكالة والاستنزاف أودت بحياة 70 مليون إنسان!