10 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم أندهش كثيرًا كغيري إزاء ما كشفته صحيفة "ذي لندن إيفينينغ بوست" من معلومات تفيد بأن رئيسة المحكمة الجنائية الدولية الأرجنتينية المولد سيلفيا أليخاندرا فيرنانديز دي غورمندي تلقت في حساباتها المصرفية الخاصة أموالا تربو على 17 مليون دولار أمريكي استُخدمت لجمع أدلة وهمية وإحضار شهود زور للإدلاء بشهاداتهم ضد الرئيس البشير. لم أندهش لأن قصور النصوص وعيوبها تغريان ثقوب النفوس.ولقد سبق ونشرت مقالًا بصحيفة "ذي آفريكان إنديبيندانت" الجنوب إفريقية بتاريخ 2 أكتوبر 2015، تحت عنوان "تمويل الجائية يكشف عدم صدقيتها"، بينت خلاله الثغرة البينة في ميثاق روما فيما يتعلق بتمويل المحكمة لأنشطتها، من خلال ما أُطلق عليه التبرعات وفقًا للمادة (116) من الباب (12) من الميثاق، والذي يقرأ: التبرعات مع عدم الإخلال بأحكام المادة 115. للمحكمة أن تتلقى وأن تستخدم التبرعات المقدمة من الحكومات والمنظمات الدولية والأفراد والشركات والكيانات الأخرى. كأموال إضافية. وفقًا للمعايير ذات الصلة التي تعتمدها جمعية الدول الأطراف.وباختصارٍ فإن الجميع يمكنه التبرع لتلك المحكمة دون حتى مجرد تحوطات تحصن القضاء وتحفظ له الحيدة والنزاهة والرصانة والهيبة والمهابة العالمية، وتصون نفوس شاغلي مناصبه من الزيغ عبر هذا المتاح الفضفاض الذي لا يليق حتى بأصغر المنظمات الطوعية أو بفرق كرة القدم واتحاداتها في الحواري والأحياء! وبالمقارنة فإن البند الثاني من "المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية" الذي اعتمد بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرارات (40/32) في 29 نوفمبر 1985 والقرار (40/146) في 13 ديسمبر 1985 يقرأ: "تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع ووفقًا للقانون، ودون أي تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أي إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب".والأمر هنا ليس بحاجةٍ لحصافةٍ، ناهيك أن يكون بحاجةٍ لخبير قانوني أن يتصور - (فوق حدود الشك المعقول) - تحصين سلطةٍ قضائيةٍ ضد (أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أي إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب) في ظل متاح تلقيها واستخدامها لتبرعات تقدم من حكومات ومنظمات دولية وأفراد وشركات وكيانات أخرى. كأموال إضافية! ..وهل من حكومةٍ أو منظمةٍ أو فردٍ أو شركةٍ أو أي كيانٍ آخر يخلو من أجندة مبطنة ومصالح وهو يتبرع؟.. فقط من أجل الخيرية والغيرية؟.. وهل كانت تلكما من شيم عالم اليوم وقيمه إلا للحالمين الواهمين؟..وطبيعي أن يفضي ما كشفت عنه الصحيفة لمزيد من وهن المحكمة على المستوى العالمي عامةً وبالنسبة للقارة الإفريقية على وجه الخصوص. ففي تلك القارة لم يركن القادة ولا المفكرون لما تتبجح به المحكمة بأن إفريقيا هي الأكثر عضويةً بها من بين قارات العالم من خلال 34 عضوًا، بل إنه وحتى الموقعين على ميثاقها عبروا صراحةً عن برمهم بتطبيقاتها قبل الفضيحة الماثلة. ويكفي أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر مواقف الرئيس اليوغندي يوري موسفيني، والرئيس القامبي يحيى جميح، ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين، ووزير خارجية إثيوبيا تواضروس أدهانوم، والرئيس المالاوي الراحل بنقو وا موثاريكا، والرئيس الزامبي الراحل مايكل ساتا، وحزب سوابو الحاكم في ناميبيا، والرئيس الناميبي هاج جينغوب، وحزب المؤتمر الوطني الجنوب إفريقي الحاكم.وإذا كان مسلك رئيسة المحكمة سيلفيا أليخاندرا هو بمثابة تمام ٍ لمسيرة المدعي العام السابق وابن جلدتها لويس مورينو أو كامبو، وبمثابة منتج طبيعي وتتويج لقصور نظام روما وهيكلها ومنطلقاتها، فإن اتهام رئيس المنتدى الإفريقي ديفيد ماتسانغا لكبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بالرشوة لوضع لائحة الاتهام ضد الرئيس السوداني، وما كشف عنه النقاب من احتفاظهم بملف ضخم من الأدلة ضد أوكامبو يتضمن تسجيلات صوتية ومرئية، فضلا عن بيانات مصرفية تبين حركة أموال طائلة لشراء ذمم شهود واستخدامها في القضية المرفوعة ضد البشير، قد يمثل القمة الطافية لجبل الجليد، ويجئ في سياق التنادي الإفريقي بمغادرة جماعية للمحكمة..ورغم أن الكتلة العربية هي الأقل تواجدًا في عضوية المحكمة وهي أناةٌ تحسب للعرب، إلا أنَّ البكم الذي أصاب وسائل الإعلام العربية تجاه الفضيحة الأخيرة يكاد يستعصي على التفسير رغم ما وصمها من ثرثرة تتناول حتى صغائر الأحداث في أقاصي الأرض، بل قدد تتجاوز أقطارها.. هل ادعى أحدٌ أن في فمها ماء؟.. أما عند السودان فإن ما يجري لا يعدو كونه قصة إعدام ميت كما أن صيد العنقاء ليس مستحيلًا.