11 سبتمبر 2025
تسجيلعليك الجِد إن الأمر جَد**** وبادر فالليالي مسرعاتصورتان قبل الحديث عن المضمون تظهر لك ماهيته ، الصورة الأولى لشاب حدث من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثالثة عشرة من عمره ، اسمه رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يجلس أمام باب بيته كثيرا ، يحكي ربيعة الحادثة فيقول: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: (سَلْ) فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟) قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ).شاب حدث يسأله النبي صلى الله عليه وسلم حاجته، فيترفع عن كل مظاهر الحياة وعن جميع ملذاتها ، وينتقل نقلة عالية ، فلم يكتف بالجنة بل جعل مراده مرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها .همم عالية بلغت بصاحبها قمم الجبال فلما استقرت في نفوسهم تحققت على أرض الواقع .الصورة الثانية : حديث الرجل الشيبة الذي أكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحداثة كما يقول أبو موسى رضي الله عنه : أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعرابياً فأكرمه ، فقال له : « ائتنا « ، فأتاه ، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :» سل حاجتك « . قال : ناقة نركبها ، وأعنز يحلبها أهلي .هكذت كانت همة هذا الأعرابي متمثلة في متاع من متاع الدنيا يطلب دابة وعنزا وفي رواية جارية وكلبا ، وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن حالت دون صعوده الثريا همته الدنيا.عاتبه النبي في شخصه ظاهرا لكن الأهم أنه وجه الأمة كلها إلى معالي الأمور فقال صلى الله عليه وسلم:» أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل ؟! « قالوا : يا رسول الله ! وما عجوزبني إسرائيل ؟ قال :» إنَّ موسى ـ عليه السلام ـ لما سارَ ببني إسرائيل من مصر ؛ضَلّوا الطريق ، فقال : ما هذا ؟ فقال علماؤهم : إنَّ يوسفَ ـ عليه السلام ـ لمّاحضره الموتُ ؛ أخذ علينا موثقاً من الله ، أن لا نخرجَ من مصر حتّى ننقلَ عظامَه معنا ـ أي بدنه ، وهو من باب إطلاق الجزء ويراد به الكل ، فالأنبياء لا تأكل الأرض أجسادهم كما صح بذلك الخبر عن خير البشر ـ قال : فمن يعلمُ موضع قبره ؟ قالوا : عجوزمن بني إسرائيل ، فبعث إليها ، فقال : دلَّيني على قبر يوسفَ ، قالت : حتى تعطيني حُكمي . قال : وما حكمكِ ؟ قالت : أكونُ معك في الجنة ، فكره أن يعطيها ذلك ، فأوحى اللهُ إليه أن أعطها حكمَها ، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقعِ ما ، فقالت : انضبوا هذا الماء ، فأنضبوه ، فقالت : احفروا ، فحفروا ، فاستخرجوا عظامَ يوسف ،فلما أقلّوه إلى الأرض ؛ فإذا الطريقُ مثل ضوء النهار « هنا تظهر جليا فائدة الهمم العالية فالمرء حيث يجعل نفسه، إن رفعها ارتفعت وإن قصر بها اتضعت.والهمة ليست أمنية زائفة بل هي حقيقة واقعة إذا اتخذها الإنسان منهاج حياة له ، وقد أحسن المتنبي حين قال :إذا ما كانت في أمر مروم ... فلا تقنع بما دون النجوميرى الجبناء أن العجز حزم ... وتلك خديعة الطبع اللئيم فطعم الموت في شيء حقير ... كطعم الموت في شيء عظيمنسأل الله أن يجعل حظنا من رمضان رضاه ومرافقة نبيه في أعلى الجنان .