18 سبتمبر 2025
تسجيلكتب الشاعر السوري صدّام العبد الله على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك العبارة التي استعرتها لمقالة اليوم، وفي العبارة وجع وجمال، فالسوريون لم يتركوا الجمال وحيداً، رغم شدة الحال، فأكرموا وفادته حتى في ساعات الشدّة، ولهذا يجد المتأمّل مقاربات أدبية في المخاض السوري الصعب، ومع مجيء شهر رمضان الكريم تتوق النفوس والأرواح إلى الراحة والسكينة والتواصل مع الخالق. لكن الموت السوري لا يصوم عن الطعام، ثمة ولائم كثيرة تنتظر أذان المغرب، ثمة ضغائن وأحقاد تخلّقت وولدت فتيّة قويّة استقبلته بحفاوة، أوْلَمَ له السوريون أكثر من مائة ألف، وقام على خدمته نصف سكان البلاد، وفتح كل بيت له الباب، وأشرع العالم كل نوافذه يراقبنا بألم وصمت. طرق رمضان أبوابنا، وسبقه الموت الذي صار من أهل البيت، يحيي معنا الضيوف، ويسكب لهم الشاي والقهوة، ويطعمهم خير ما أُطعمت الأرض، وفي رمضان كانت فوازير الدم عصيّة على كلّ جواب، وكانوا يشاهدون المسلسل السوري الطويل في نجوع العروبة على مقاهي الفضائيات، يطلبون "الشيشة" ويشربون اليانسون إلى مطلع الفجر. كان موت مريد البرغوثي مؤدباً مهذباً يأتي في الليل ويبيت باحثاً عن مأوى، ولهذا حين زجره الشاعر: "تعرّف إلى غيرنا أيّها الموتُ.. ابحث، على الفور عمن يجود عليك بمأوى سوانا.. ودع غير أطفالنا يمسكون بذراعك.. عبر ازدحام الطرق.. منذُ دَهرٍ نؤدي لك الواجبات ونرعاك.. نحن انشغلنا بشغلك، فاذهب"، فقال مستدركاً: "ولكن.. إلى أين تذهب في مثل ليل كهذا؟". وكان هذا السؤال مقدمة لعتاب كامن يفيض أسئلةً: "أغلطتنا أننا كرماء لتأخذ من تنتقي ثم نعطيك من يرتقي بك؟. أما فاض موسمك المر عن حاجتك؟... هل ألفناك؟. هل لا طريق لنبعد عنك سوى الاقتراب الجنوني منك؟. أأنت الطريقُ؟. أم أنك قاطع هذا الطريق؟. أتمشي الجنازة فينا؟ أم أنّا نسير ونبحث من حولنا عنك فيها؟. نرى النعش والسائرين.. ويا موت لسنا نراك.. ففي أي زاوية تختفي حينذاك؟ كان موت مريد قد ولد موتاً آخر لابنه تميم البرغوثي: "والموتُ أَبْلَهُ قَرْيَةٍ يَهْذِي وَيسْرِقُ مَا يَطيب لَهُ مِنَ الثمر المبارَكِ في سِلالِكْ / وَلأَنَّهُ يَا أم أَبْلهُ، فَهْوَ لَيْسَ بِمُنْتَهٍ مِنْ أَلْفِ عَامٍ عَنْ قِتَالِكْ / حَتَّى أَتَاكِ بِحَامِلاتِ الطَّائِرَاتِ وَفَوْقَها جَيْشٌ مِنَ البُلَهَاءِ يَسْرِقُ مِنْ حَلالِكْ / وَيَظُنُّ أَنَّ بِغَزْوَةٍ أَوْ غَزْوَتَيْنِ سَيَنْتَهِي فَرَحُ الثِّمارِ عَلَى تِلالِكْ / يَا مَوْتَنَا، يَشْفِيكَ رَبُّكَ مِنْ ضَلالِكْ!". ولكن موتيهما ليسا كموت السوريين الصبيّ الذي لم يبلغ حتى يكلّف بالصوم، والشاعر السوري صدام العبد الله لم يطرده من البيت، ولم يتهمه بالجنون والبله، بل شجعه على الصيام، أقلّ ذلك لو يصوم إلى العصر أو الظهر، ليتسنى للمشردين والفقراء أن يعدّوا وصاياهم قبل وجبة الفطور الدامية.