29 أكتوبر 2025

تسجيل

الذين اشتروا الضلالة بالهدى

16 يونيو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); "أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)" البقرة. تستمر الآيات في بيان صفات هؤلاء المنافقين المفسدين، الذي تركوا الهدى الذي شاهدوه من الآيات الباهرة والمعجزات القاهرة وأخذوا بدلها الضلالة الهائلة التي هي العمه في تيه الطغيان، والمراد بالهدى ما كانوا عليه من معرفة صحة نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحقية دينه بما كانوا يشاهدونه من نعوته -عليه الصلاة والسلام- في التوراة، وقد كانوا على يقين منه حتى كانوا يستفتحون به على المشركين ويقولون اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، ويقولون لهم: قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين، (فما ربحت تجارتهم) التجارة صناعة التجار، وهو التصدي للبيع والشراء لتحصيل الربح، وهو الفضل على رأس المال، لكنهم خسروا. والمراد المبالغة في تخسيرهم لما فيه من الإشعار بكثرة الخسار وعمومه المستتبع لسراينه إلى ما يلابسهم، وإيرادهما أثر الاشتراء المستعار لما فاتهم من فوائد الهدى بصورة خسار التجارة الذي يتحاشى عنه كل أحد للإشباع في التخسير والتحسير لانهماكهم فيما هم عليه من إيثار الضلالة على الهدى وتمرنهم عليه، (وما كانوا مهتدين) أي إلى طرق التجارة فهؤلاء الذين كان رأس مالهم الهدى قد استبدلوا بها الضلالة فأضاعوا كلتا الطلبتين فبقوا خائبين خاسرين نائين عن طريق التجارة بألف منزل.(مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق واشتقاقها من نار إذا نفر، لأن فيها حركة واضطرابا، واستيقادها طلب وقودها أي سطوعها وارتفاع لهبها وتنكيرها للتفخيم، (فلما أضاءت ما حوله) الإضاءة فرط الإنارة كما يعرب عنه قوله تعالى "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا"، أي فلما أضاءت النار ما حول المستوقد أو أضاءت النار نفسها فيما حوله (ذهب الله بنورهم)، والنور ضوء كل نير والمعنى أن الله سبحانه أطفأ نارهم التي هي مدار نورهم، وإنما علق الإذهاب بالنور دون نفس النار لأنه المقصود بالاستيقاد لا الاستدفاء، ونحوه كما ينبئ عنه قوله تعالى (فلما أضاءت)، حيث لم يقل فلما شب ضرامها، وهو جواب لما، أو استئناف أجيب به عن سؤال سائل يقول: ما بالهم أشبهت حالهم حال مستوقد انطفأت ناره كأنه قيل: فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا في الظلمات خابطين متحيرين بعد الكدح في إحيائها، وإسناد الإذهاب إلى الله تعالى إما لأن الكل بخلقه تعالى، وإما لأن الانطفاء حصل بسبب خفي أو أمر سماوي كريح أو مطر، وإما للمبالغة لما فيه من معنى الاستصحاب والإمساك، وما أخذه الله عز وجل فأمسكه فلا مرسل له من بعده ولذلك عدل عن الضوء الذي هو مقتضى الظاهر إلى النور، لأن ذهاب الضوء قد يجامع بقاء النور في الجملة لعدم استلزام عدم القوى لعدم الضعيف والمراد إزالته بالكلية، كما يفصح عنه قوله تعالى (وتركهم في ظلمات لا يبصرون)، فإن الظلمة التي هي عدم النور وانطماسه بالمرة، لاسيما إذا كانت مضاعفة متراكمة متراكبا بعضه على بعض كما يفيده الجمع والتنكير التفخيمي، وما بعدها من قول الله تعالى (لا يبصرون) لا يتحقق إلا بعد أن لا يبقى من النور عين ولا أثر، وإما لأن المراد بالنور ما لا يرضى به الله تعالى من النار المجازية التي هي نار الفتنة والفساد، فأطفأها الله تعالى وخيب آمالهم، والمعنى أن حالهم العجيبة التي هي اشتراؤهم الضلالة التي هي عبارة عن ظلمتي الكفر والنفاق المستتبعين لظلمة سخط الله تعالى وظلمة يوم القيامة يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم وظلمة العقاب السرمدي الذي هو النور الفطري المؤيد بما شاهدوه من دلائل الحق أو بالهدى الذي كانوا حصلوه من التوراة حسبما ذكر، كحال من استوقد نارا عظيمة حتى كاد ينتفع بها فأطفأها الله تعالى وتركه في ظلمات هائلة لا يتسنى فيها الإبصار.