14 سبتمبر 2025
تسجيليلقي الكثيرون باللائمة على الحكومات وسياساتها في فشل استقطاب أموال المغتربين، والتي يمكن أن تمثل جزءا مقدرا من ميزانية البلاد، وينسى اولئك دور المغتربين أنفسهم ومسؤوليتهم تجاه دعم الاقتصاد!. قال أحد التجار في تصريحات صحفية بعد الإجراءات الاقتصادية الأخيرة "ليس أمام المغتربين من خيار سوى التحويل عبر الصرافات والبنوك، وهي تحول الدولار بالسعر الرسمي"، وكأنه يستهجن لجوء المغتربين للبنوك! المتتبع لمسيرة الاقتصاد السوداني على سبيل المثال ومنذ السبعينات يلاحظ تأثره بدرجة كبيرة بازدياد أعداد المغتربين في دول الخليج، ازداد الاستهلاك وتبدلت العادات وتغيرت القناعات، صحيح أن هذا أمر طبيعي ومطلوب ويحدث في كل دول العالم، فظاهرة الاغتراب ليست حكرا على بلد دون آخر وإن تفاوتت نسبه ونوعيته. ويتفق الجميع على أن المغتربين يلعبون دورا هاما ولهم أثر واضح في المجتمع من خلال تعزيز القدرات المالية لأسرهم، وبالتالي تحقيق مستوى معيشي أفضل بقدر ينسحب على حركة الاقتصاد بصفة عامة. نقول تلعب تحويلات المغتربين دورا كبيرا في تحسين معيشة أهلهم في مواجهة متطلبات الحياة من غذاء وكساء وصحة وتعليم وسكن، وهو أمر يتشابه في كل دول العالم. أما الدور الأكبر للمغتربين، فهو أن حوالاتهم تكون بمثابة داعم رئيسي لاحتياطي العملات الأجنبية أو الصعبة كما يقول البعض، وبالتالي تساعد في توازن الميزان التجاري. ولا يخفى على أحد أن بلادنا تفتقد الدور الأكبر هذا بدرجة ملحوظة، فمنذ عقود والمغتربون - وبدقة أكثر أغلبهم - يتسابقون لتجاوز السعر الرسمي للعملة بظن أنهم يحققون أرباحا ولا يدرون أن خسارتهم في ذلك أكبر من ربحهم! الغريب أن لا يشعر المغترب بأن لجوءه للسوق الأسود وتسببه في خفض قيمة العملة الوطنية يعود بالضرر الكبير عليه قبل الآخرين، فعندما يلتزم المغترب بالتحويل عبر القنوات الرسمية ستكون الأسعار وفقا للقيمة الحقيقية للعملة، وإذا ما لجأ للسماسرة والمضاربين وباع بأكثر من السعر الرسمي فسيدفع ثمن ذلك في انفلات أسعار كل متطلبات الحياة، ثم إنه يساعد في خلق طبقة من تجار العملة والسماسرة والمضاربين تسيطر على الأسواق بالتركيز على مخالفة القوانين والالتفاف حول النظم وتخريب السياسات بهدف تحقيق أرباح لا سقف لها. أعتقد أن مصلحة المغتربين قبل غيرهم هي التحويل عبر القنوات الرسمية - مهما زيَّن لهم شيطان المضاربات أرباحهم - حتى تكون عملتنا بقيمتها الحقيقية بعيدا عن المضاربات والسمسرة. فليجربوا ويلتزموا ولو لعام واحد، ولا أشك أنهم سيكسبون على الأقل أداء الواجب الوطني. أقول قولي هذا وأدرك أن هناك خطوات واجبة على الحكومة - ليس من بينها جهاز المغتربين - نتناولها مرة أخرى إن شاء الله.