14 سبتمبر 2025

تسجيل

عبد القيوم دليل جمعة

16 مايو 2018

في عهد الشقاوة الأولى، وقبل أن يصل العشرين، كان لقبه عبد القيوم النحيل، ولم يكن نحيلاً قطّ في يومٍ ما، لكنه لم يكن بديناً كذلك، كان لقبه أيضاً هايلا الإمبراطور، ولم يكن يعرف من هو هايلا، ولا أين كانت تقع امبراطوريته، ولا ما هو وجه الشبه بين متشرد وامبراطور. ولقبته واحدةٌ من صديقاته المستهلكات، في حيّ الصهاريج البعيد، بحلّة الطبخ، وكان لقباً ظالماً، وتعسفياً، لأنه لم يكن يشبه حلل الطبخ في أيّ شيء، حتى في الغليان. وأدت تلك الألقاب المتعددة غير المتجانسة، إلى ارتباكه وتردّده في الإجابة، إن صادف وناداه أحدٌ باسمه عارياً بلا لقب. كان عبد القيوم أحد مجرمي سن المراهقة، أحد الذين خاضوها بعنف فنانٍ مميز، وخرجوا إلى الصبا إما مطرودين أو مساجين، وبالطبع، ضائعين، وعاطلين عن العمل بجدارة. كان يعرف أن اللاجئة “أببا” تحب سمك “السيجان” الرخو، وحلوى “الحلقوم” ذات السمعة الطيبة لدى الأطفال، والجبن الدنماركي الذي يجلبه بحّارة السفن، مغلفاً بقصديرٍ أحمر جذاب، فكان يزودها بالسمك والحلوى، وجبن البحارة. تحب الغزل المخمور، المعتٌق، المستقى من قاع حانات الشعور، فكان يدلقه على أذنيها بتأنٍّ، في أيّ وقتٍ، وهو منشرح. سماها النجمة كثيراً، وسماها الشمس ذات يومٍ مشمس، والبدر الذي يُفتقد في الظلام، لكن مناداته لها بالزهرة البيضاء، كانت هي اللقب الذي اعتمده للسانه وحده، وحرم على ألسنة الآخرين استخدامه. – كم عاشقاً لأببا تسفاي، هنا أو هناك أو في أيّ مكانٍ حلّت به تلك الزهرة ذات يوم؟ سأل أفكاره التي تتقاتل في الرأس المخمور السؤال نفسه الذي سأله للأفكار نفسها في مناسباتٍ أخرى عديدةٍ من قبل، وسأله العشرات من المتوافرين والعابرين بالمكان لأفكارهم الشخصية. كم عاشقاً للزهرة البيضاء؟ كانت الإجابة شركاً حقيقياً، فمنذ أن بذرت بائعة الشاي الصبية، الهاربة من نار الحرب في إرتريا، رونقها في موقف باصات السفر، اختلّ توازن الأشياء بشكل مخيف. كبر الصبيان فجأة في أفكارهم ونبضات قلوبهم ليعشقوا، وصغر المسنون المتوافرون أو العابرون في أفكارهم ووجوههم ونبضات قلوبهم فجأةً أيضاً ليعشقوا.