16 سبتمبر 2025

تسجيل

زمن البساطة

16 أبريل 2023

كان شهر رمضان الكريم سابقاً مثالاً حياً للخير والبساطة والكرم والعبادة، وتغلب عليه الروحانيات وكانت الأسرة الممتدة تجتمع على مائدة الإفطار ببساطة والحال نفسه بالنسبة للسحور، وكانت العائلات قبل الفطور تتنافس في إرسال الأطباق الرمضانية للجيران، وكان أفراد العائلة يجتمعون بعد الفطور لتناول الحلويات الرمضانية ومتابعة الأعمال الدرامية الرمضانية مثل فايز الفتوش أو طاش ماطاش ومسلسلات الراحل عبدالحسين عبدالرضا وفوازير شريهان وغيرها من الأعمال الخالدة في الذاكرة. وكانت المجالس الرجالية والنسائية تستقبل الأهل والأصدقاء بعد صلاة التراويح ببساطة للتسامر وتبادل المعلومات والأخبار، وكانت الغبقات الرمضانية تُقام ببساطة وتكون فرصة يتزاور بها الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء، وتُقّدم وجبات شعبية وقد تتشارك النساء في تحضير أطباق المائدة، أما الاحتفال بليلة النصف من شهر رمضان والتي نطلق عليها (قرنقعوه) كانت من أجمل الليالي ببساطتها وخروج الأطفال للأحياء والتي نطلق عليها (فرجان) يطرقون الأبواب بأهازيجهم الجميلة وملابسهم التراثية البسيطة حاملين في رقابهم كيسا من القماش يضعون فيه ما يحصلون عليه من المكسرات والحلويات من أصحاب البيوت التي يطرقونها، كانت ليلة مميزة وينتظرها الكبار والصغار، ولكن للأسف أن كل عام تزداد مظاهر التعقيد على شهر رمضان المبارك والذي خُصص للعبادة وتعويد النفس على البساطة وتحمل مشّقة الصيام والبُعد عن المُلهيات وعن مظاهر الحياة الروتينية التي اعتدنا عليها طول العام والتقرب إلى الله طمعاً في المغفرة والرحمة خاصة وأن أبواب الجنة تُفتح في شهر رمضان وتغلق أبواب الجحيم، وتصفد فيه الشياطين ولابد من استغلال هذا الشهر أفضل استغلال لكسب الأجر. ولكن المُلاحظ أن الغبقات أصبحت أكثر تكلفاً، والبعض يبالغ في ديكور رمضان أو كما يطلق عليه (ثيم رمضان) وأصبح تزيين البيوت لرمضان ظاهرة، ولا ضير في ذلك إن كان التزيين بسيطاً للاحتفال بالشهر الفضيل ولكن يبالغ البعض بذلك ويظهر ذلك واضحاً على مواقع التواصل الاجتماعي مما يعطي أصحاب المحلات والتجّار الفرصة لاستغلال الزبائن في هذا الشهر، كانت الزينة سابقاً ينطبق عليها المثل الجود من الموجود، أما الآن فالبعض أصبح يستعين بشركات الديكور لتزيين أجزاء من المنزل أو وضع جلسات وإكسسوارات بروح رمضانية ناهيك عن الطعام المُقدم في الغبقات والكميات الوفيرة وعربات التقديم والقهوة والأيس كريم وغيرها والتي كلها تصب في الاستهلاك ومضاعفة المصاريف في الشهر الذي يجب أن نراعي فيه مشاعر المحتاجين والفقراء وأن نحس بإحساسهم بتقليص الطعام والشراب فالبعض يسرف من أجل التباهي وتصوير التجهيزات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا العام شاهدت في بعض الحسابات الاستعانة بفرق شعبية تُغني في غبقات البيوت، كما أن الغبقات هي نفسها أصبحت ظاهرة خاصة بين النساء اللآتي يتنافسن في التفنن في تجهيزات الغبقات والهدايا والطعام المقدم وابتعد الكل عن البساطة والقيمة الحقيقية لشهر رمضان، وأصبحنا مُجبرين أن نُجامل ونلبي الدعوات والتي أيضا الأخرى لها ثمن، فليس من الذوق أن تزور أحدا دون هدية أو على الأقل باقة ورد أو غيرها من الضيافة التي لابد وأن تكون لائقة وكما نقول (تجي في العين)! تحول شهر الخير والعطاء إلى إرهاق مادي وإسراف ومبالغة في الاحتفال وتلاشت عنه الروحانيات والبساطة والزيارات المليئة بالمحبة والأيادي الممدودة للخير وإعانة المحتاجين ومساعدة الفقراء وكسب الأجر وأصبح مُرهقاً مادياً لاهتمام البعض بالمظاهر ولرغبتهم في التباهي بنشر صور التجهيزات على شبكات التواصل الاجتماعي! فهل سيعود رمضان البسيط غير المتكلف الذي نتبادل فيه العطاء لنكسب الأجر فقط، ولنتواصل ونتزاور بحب دون رياء، ولنستغل أبواب الجنة المفتوحة لمضاعفة أجرنا فقط (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم) سورة الشعراء.!