14 سبتمبر 2025

تسجيل

تقديم الكاتب

16 أبريل 2012

  في عام 1995، أنجزت روايتي الثانية، سماء بلون الياقوت، بعد سنوات طويلة من الانقطاع عن الكتابة، قضيتها أعمل في شرق السودان، بلا وقت ولا تفكير ولا مزاج للكتابة. كنت فرحا بتلك الرواية للغاية، سافرت لطباعتها في عمان، وأرسلتها قبل ذلك لكاتب شهير حتى يكتب لي عدة كلمات على الغلاف، لكن ذلك لم يحدث، ونشر الكتاب بلا كلمة تقديمية. تلك الأيام كنت في البداية، لا أعرف حجم انشغال كاتب استعنت به، تمنعه ظروف كثيرة عن تقديم كاتب مبتدئ، وغضبت مما ظننته إهمالا، ولم أكن محقا. ذلك أن الأيام ستمضي، وتكتمل التجربة بلا تعريف مسبق لها، وأيضا أجد نفسي في ذلك الوضع الذي يحد من تقديمي لأحد. منذ عامين بالتحديد، وكلما فتحت بريدي، الذي أفتحه عدة مرات يوميا، لابد أن أجد مخطوطة أرسلها كاتب في بداياته، يريدني أن أقدمه، تجد عبارات الرجاء، وعبارات التملق أحيانا، وتجد شخصا منزعجا من إهماله، ويبحث عن أمل. أيضا ثمة كتب منشورة يريدني البعض أن أكتب عنها، وهناك ناشرون يرسلون أعمالا لكتابهم، راجين تعاوني في تسليط الضوء عليها، ولأن لا وقت عندي على الإطلاق، ولست كاتبا متفرغا للقراءة والكتابة، فإنني أجد صعوبة كبيرة في تلبية تلك النداءات، وغالبا لا أكتب إلا ما أحسه قد لامسني أو عن تجربة أحس أنها نضجت ومن الواجب أن يعرفها الجميع. وفي النهاية، تأتي رسائل اللوم، ورسائل الشكوى من عدم الاهتمام، وربما يحملني البعض مسؤولية القضاء على مواهبهم، حين لم أسقها بماء البريق. أود أن أقول، إن الكتابة عموما لم تعد طريقا جيدا للشهرة أو الكسب، كما كانت في الماضي، حين يترك موظفون محترفون مهنهم، ويلتحقون بها، ويعيشون من رزقها، وبريقها، كما حدث عند كتاب مثل يوسف إدريس، ومصطفى محمود، لقد أصبحت عبئا على الكاتب نفسه، والذي يصاب بدائها، يصاب أيضا بداء العزلة، والكآبة، ويظل يلهث سنوات طويلة بلا معنى، ومسألة اللجوء إلى كاتب له منجزه، من أجل أن يقول شيئا، أيضا لا تجدي، لأن ذلك الكاتب حتى لو تفرغ للنصوص التي تغزو بريده، وقدمها كلها، فليس معنى ذلك أن ثمة قراء سيتقاطرون عليها، وأبواب مغلقة ستنفتح، إنها فرحة مؤقتة لدى الكاتب المبتدئ، ما تلبث أن تتبخر مثل أي أحلام أخرى، نحلمها في العالم الثالث، وتظل مجرد أحلام فقط. ليس ثمة طريقة لمنع الناس من الكتابة، وفي كل جيل تظهر مواهب جديدة، لها خصوصيتها ورموزها، وليس ثمة طريقة لوأد الأحلام التي تشتعل في خيالات الكتاب الجدد، ولكن توجد نصائح لابد من قولها في هذا الشأن، ولابد أن يستوعبها الذين يطرقون أبواب المنشغلين بغية الحصول على وقت منهم. ليس كل كاتب معروف، يملك مفاتيح السحر التي تفتح أبواب الناشرين، وأقبية الترجمة المظلمة، ولن يكون تعليقي أو تعليق غيري على غلاف كتاب، هو الطريق الممهد للبريق. وحده القارئ من يقرر، ويأتي الحظ أحيانا ليرفع من رواية، ما كان لها أن ترتفع لولاه.