29 سبتمبر 2025
تسجيلتقول القصة: سافر الفلاح من قريته إلى المركز ليبيع الزبد التي تصنعه زوجته، وكانت كل قطعة على شكل كرة كبيرة تزن كل منها كيلو جراما، باع الفلاح الزبد للبقال واشترى منه ما يحتاجه من سكر وزيت وشاي ثم عاد إلى قريته، أما البقال... فبدأ يرص الزبد في الثلاجة... فخطر بباله أن يزن قطعة... وإذ به يكتشف أنها تزن 900 جرام فقط... ووزن الثانية فوجدها مثلها... وكذلك كل الزبد الذي أحضره الفلاح، في الأسبوع التالي... حضر الفلاح كالمعتاد ليبيع الزبد... فاستقبله البقال بصوت عالٍ: "أنا لن أتعامل معك مرة أخرى... فأنت رجل غشاش... فكل قطع الزبد التي بعتها لي تزن 900 جرام فقط... وأنت حاسبتني على كيلو جرام كاملا!"، هزّ الفلاح رأسه بأسى وقال: "لا تسيء الظن بي... فنحن أناس فقراء... ولا نمتلك وحدة وزن تزن الكيلو جرام... فأنا عندما أشتري منك كيلو السكر أضعه على كفة... وأزن الزبد في الكفة الأخرى...."، فبهت البقال بما قاله له الفلاح، وأيقن أن أمره انكشف بأنه كان يسرق من الفلاح ومن غيره 10 جرامات من السكر الذي يبيعه. من هم المطففون ونحن صغار في المدارس سمعنا قوله تعالى (ويل للمطففين) وشرحوها لنا إنها البائع الذي يغش في الميزان ويعطي الناس أقل من حقوقهم !!! ولكن هل هذا فقط معنى المطففين ؟؟!!! وماذا تعني كلمة "مطفف"؟؟، التطفيف اصطلاحاً مشتقة من الشيء الطفيف الذي لا يهتم به الناس لقلته.... يعني مثلا ينقص البائع خمسين جراما فقط من عدة كيلو جرامات... هو شيء بسيط وقليل... ولكن الله توعده بـسورة خاصة في القرآن بحشره في (الويل) قال المفسرون إن ويل هو اسم للوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم ويوجد في أسفلها، وهم (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) يعني الذين يأخذون حقَّهم من الناس كاملاً... وإذا حدث العكس... ينقِصون أو يُخسِئون حق غيرهم. هل نحن مطففون في حياتنا اليومية؟ الآية أعلاه لا تنطبق على البائعين فقط بل إن معناها أشمل وأعم بكثير، فالمطفف: زوج يريد من زوجته أن تعطيه حقوقه كاملة ويجبرها أن تفعل المستحيل لإرضاء غروره وهو في المقابل يظلمها ويجرحها ويُنقِصها حقَّوقها ويظهر هذا النقص عند حدوث بعض المشاكل البسيطة بين الزوجين، فيتم تضخيمها على حساب حسنات الزوج وحسن معاشرته لزوجته، فتنسى الزوجة إيجابيات زوجها، وتُنكرها، ولا تكاد ترى منه إلا الشر، وهذا ما يؤثر على الزوج سلباً، فيزيد من المشاكل، المطفف: مدرس في نهاية كل شهر، يأخذ مرتَّبه كاملاً... وفي الوقت ذاته، يهمل الطلاب ولا يراعي ضميره في الشرح ولا يهتم إلا بأصحاب الدروس الخصوصية، وقد يتسامح المعلم مع الطالب المجتهد ويعاقب غيره عند صدور نفس الأخطاء، المطفف: طبيب يأخذ حقه المادي والحوافز ويترك الفقراء في المستشفى وقت الدوام ويذهب لعيادته الخاصة ليرعى ويهتم بمن يدفعون له، المطفف: شخص يريد من كل أقاربه أن يهتمّوا به ويسألون عنه... وهو في المقابل قاطع لرحمه، المطفف: هو مسؤول التموين الثري الذي يصرف الغث من البضائع للجمهور ويحتفظ بالجيد لمن له مصالح ومنافع معهم، المطفف: هو ذلك الموظف الذي يعطل مصالح الناس ومقدراتهم ولا يأبه لهم وفي المقابل يوصل الحقوق لأصحاب الوسائط في بيوتهم لمنافع تسدى له، المطفف: هو كل صاحب عمل يعطى الفرص والحوافز لأشخاص بعينهم ويحرم منها عموم العاملين لأغراض في نفسه، المطفف: هو الكفيل الذي يأخذ من مكفوله أكثر من حقه ويبخسه راتبه أو يمنعه إياه، المطفف: هو أستاذ الجامعة والقاضي ومدير المؤسسة الذي يعين ابنه في مجال عمله ويحرم منها من هو أكفأ منه، والأمر يحتاج إلى كل ذي عقل أن يفكر أن معنى هذه الآية جامع ويشمل أدق جوانب حياتنا اليومية، ويجب أن نضع ميزان ضميرنا ونراعي الله في عملنا في تفاصيل حياتنا في علاقاتنا الاجتماعية وحتى علاقاتنا المادية ونضع كل هذه المعاني نصب أعيننا وهل تشملنا هذه الآية في بعض تصرفاتنا التي لا نلقي لها بالا ولا نضعها في ميزان أعمالنا حين نلقى وجهه الكريم وهو يحاسبنا في كل صغيرة وكبيرة؟. كسرة أخيرة يجب علينا أن نأخذ حذرنا في كل أعمالنا ونزنها بميزان المطففين الذين توعدهم الله سبحانه وتعالى بالويل في يوم القيامة، وكل إنسان يطلب حقه كاملاً ولا يراعي الله في عمله يدخل ضمن المطففين، وهذا إنذار وتنبيه بأن نمعن التفكير في حياتنا اليومية وتعاملاتنا في مختلف المجالات، وبذلك نكون قد علمنا من هم المطففون، نسأل الله أن يسلمنا من كل أعمال لا ترضي الله ورسوله، ويجعلنا مطيعين لله ولرسوله في كل تعاملاتنا اليومية. الكاتبة الصحفية والخبيرة التربوية [email protected]