12 سبتمبر 2025
تسجيلفي ثنائية أبي تمام "السيف والكتب" كان السيف أصدق أنباء، وفي المعادلة ذاتها عند المتنبي كان "المجد للسيف، ليس المجد للقلم" وبينهما وقبلهما وبعدهما، كانت القوّة في هذا الشرق لحامل السيف، وليس مهمّاً أين يتموضع الكتاب وأهله والقلم وبنوه، فهذا الشرق "ما يجي غير بالسيف"، وتلك المقارنة مع الخُطاطات و"الشخابيط" ما هي إلاّ من ضرورة البحث عن شريك في جدل الحياة الدائم، وفي الشرق العتيد كان السيف هو من يكتب المصائر والخطط، وفي تجارب الأمم وتعاقب الهمم كان السيف والرمح لا القرطاس والقلم كلمة السرّ التي لا تحتاج جليل عناء في اكتشافها.في دير الزور السورية، التي تموت بصمت بين المطرقة والسندان، نال أصحاب القلم ما لم ينالوه في المدينة أخرى، فأُعدم الروائيان إبراهيم خريط ومحمد رشيد الرويلي، قبل 3 سنوات تقريباً، وفُجعنا قبل أيام قليلة بإعدام الشاعر محمد بشير العاني ونجله إياس رمياً بالرصاص، وبهذا تكون الدير مدينة الفرات والعَجاج والبساتين قد دفعت ثمناً مضاعفاً.يأتي الخبر في وكالات الأنباء وحيد الجهة والصيغة، دون أي تفاصيل تضعنا أمام طرائق القتل وصنوف العذاب الجديدة، فلا أستطيع تصوّر أنّه شاهدَ إعدام ابنه قبله كما حدث لأبي محمد الدرّة، ولا أستطيع تصوّرهما واقفين على جدار والقاتل يرديهما بصلية رصاص كثيفة. وعلى أيّ حال فقد دفع الشاعر الجميل ثمن خياره بكلّ شجاعة، فقد آثر البقاء مؤثراً في ظلّ الدار جانب أهله وزوجته التي توفيت مؤخراً بعد مرض عضال، على ذلّ النزوح.لا أعرف شاعراً لاقى حتفه مع ابنه غير المتنبّي، الرجل الذي فاجأه أن "الخيل والليل" ليست لعبته، ولكنّ أولاد "ضبّة" كانوا كريمين معه، وسمحوا له أن يدافع عن نفسه، كان الطرفان في الواقعة يحتكمان إلى ثقافة الثأر، وقانونها بانتقام المتضرّر. كانت اللعبة أقلّ شراسة، وأكثر تراجيدية. فالشعر في النهاية (كلام) وهذه بلاد حرب، لا سوق فيها لأصحاب "القرطاس والقلم". رغم أنّ هذه البلاد بيداء، بيداء بامتياز.يرحمك الله يا بشير.