16 سبتمبر 2025

تسجيل

تشرد

16 مارس 2015

كانت تسير على الطين، على الحصى، على الأوساخ المهيمنة، ولا تعرف إن كانت ستحتمل السير الضال حتى النهاية، أم تسقط؟، إن كانت فريسة في تلك اللحظة، أم صيادا للحظة قادمة أرقى وأجمل؟ فجأة تذكرت مفسر الأحلام قمزحاي تيرسو، ذلك الذي قدم لها ذات يوم كزوج محتمل، وسبته حين اكتشفت زيفه، وأقسم أن يستبدل سبابها بالمتعة في يوم من الأيام، وكانت قد نسيت أمره، ولم تتخيله كابوسا محتملا في مثل هذا الليل الموحش، الذي جاء مصادفة، ومن دون أي تخطيط..نعم، حين فرت من منتجع الساحرات، كانت تفر إلى سند، ولم تكن تعلم أنها تفر لليل وحدها. ارتعدت قليلا، وأرادت أن تكف عن الرعدة، حفاظا على طاقة المشي، حتى تعلق بجسر يعبر بها إلى البر، حين اضطرت للارتعاد أكثر. لقد كان ثمة هيكل نحيل، يدخن ببطء، يمشي بجانبها، وإحدى يديه في جيب سرواله. ضحك قليلا ثم صمت، ولولا الظلام الذي لا تنيره سوى أضواء الفوانيس الشاحبة، أمام البيوت لكانت قد رأت أسنانه عادية جدا، فقط سيصورها الخيال المضطرب، أسنان ذئب.كانت أنفاسها قد اشتعلت بشدة، وقمزحاي تيرسو يسير بجانبها، يدخن أو يبصق، أو يخرج ريشة ديك رقيقة من جيبه، يحك بها أذنه، ثم يعيدها. لم يلمسها قط، ولم يحاول تجاوزها واعتراض اتجاهها أو النظر بافتتان إلى وجهها الفاتن برغم الخوف والعتمة، وأيضا لم يقل لها، استرخي وواضح أنه انتبه إلى عدم استرخائها. كان الليل أمينا في بثه للظلام، لكن الفوانيس الشاحبة في قلب بيوت الخشب والصفيح، وتلك المشتتة في الشوارع، ويلتم البعض، من حولها، كانت تصارع أمانته، وترشوه بشيء من الضوء، كان الإحساس المبالغ في رهافته لدى اللاجئة، كافيا لتحس أن جيوشا من الوساوس، عالقة بسرتها. ستجرب أن تجعل ردة الفعل إرادية وتصرخ، ملأت حلقها بكثير من لقم الانفعالات، وصرخت بالفعل، لكنها لم تر حشودا التمت، ولم تسمع أصوات خطوات تركض، . واكتشفت بعد أن بلعت ريقها، أن الصرخة كانت عالقة في الحلق، واختطفها الريق حين ابتلعته. لا تدري كم ساعة مشت في ليل حي المرابيع القاحل، يرافقها قمزحاي تيرسو بصمته المؤلم ولدرجة تمنت فيها لو تحدث فجأة، لو أمسكها بخشونة، ضاغطا إياها في صدره، ولو صيرها ضحية في بداية سلم الصعود نحو الاستقرار. فقط لتحس بأنها برفقة أحد.. همست: قمزحاي.ولم تتلق أي رد.همست: مفسر الأحلام... لدي حلم جديد.ولم تتلق أي رد.