14 سبتمبر 2025

تسجيل

هل تجوز المطالبة بفسخ عقد المقاولة والمطالبة بالشرط الجزائي معاً؟

16 فبراير 2023

تزدحم محكمة الاستثمار والتجارة بالعديد من الدعاوى في مواجهة شركات مقاولات البناء والتشييد. ويكمن أغلب تلك الدعاوى بسبب تنصل المقاول من التزاماته العقدية المتمثلة في تسليم المشروع محل عقد المقاولة بالتاريخ المحدد في العقد. وهذه الفرضية تقوم على سند من أن المالك قد قام بالوفاء بالتزاماته العقدية من أداء الدفعات حسب الطلب بعد اعتمادها من الاستشاري الهندسي المشرف على المشروع – إذا ما نص في العقد – وعدم وجود أعمال إضافية في الخرائط الهندسية والمعمارية مما يطيل فترة تنفيذ المشروع بسبب التعديل. والأثر المترتب على تأخر المقاول في التسليم هو اللجوء إلى قاضي الموضوع بالتمسك بالغرامة التأخيرية المتفق عليها سلفا أثناء التعاقد. إلا أن هنالك خطأ شائعا يقع فيه المحامون والملاك عند المطالبة بالتعويض الاتفاقي. ولبيان ذلك ينبغي شرح التالي: أولا: التعويض الاتفاقي ما هو إلا تعويض محدد مقدماً، في العقد الأصلي أو ملحق للعقد الأصلي، ومؤسس على إرادة الأطراف قبل وقوع الضرر، إذا لم يقم المقاول بالوفاء بالتزامه بشكل كلي أو جزئي، أو في حال تأخره في تنفيذه. وبالتالي، فإن عدم قيام المقاول بتنفيذ التزامه هو سبب استحقاق التعويض ويترتب على هذا الاتفاق اعتبار الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين. فالشرط الجزائي بحد ذاته ليس لسبب في استحقاق التعويض، إنما ينبثق عن عقد المقاولة كالتزام أصلي التزاماً تبعياً بالتعويض إذا ما توافرت شروط استحقاقه. ولم يكتف المشرع بهذا الحد، بل نقل عبء إثبات واقعة الضرر من المالك إلى المقاول بالقول إن إرادة المتعاقدين قد قدرت هذا الضرر عند عدم الوفاء بالالتزام من قبل المقاول. والغاية من التعويض الاتفاقي هي تنفيذ الالتزام حسب المدة المتفق عليها مقدما، حيث إن الأخير – تحت رهبة هذا الشرط – سيحاول جاهدا دفع الشرط الجزائي. ثانيا: إن الشرط الجزائي ما هو إلا التزام تبعي للالتزام الأصلي متمثلاً في عقد المقاولة. وعليه، فإنه الشرط الجزائي - كالتزام تبعي – يدور وجودا وعدما مع عقد المقاولة كالتزام أصلي، ويشترط لاستحقاق المالك للتعويض الاتفاقي توافر الضرر في التعويض بشكل عام. أولا لا بد من إثبات وجود خطأ من جانب المقاول متمثلا في عدم تنفيذ الالتزام في العقد الأصلي المتمثل في بناء مشروع المقاولة كليا أو جزئيا أو التأخير في تنفيذه. ولقيام المسؤولية العقدية، يجب أن يكون الخطأ في عدم التنفيذ راجعا إلى المقاول لا إلى المالك. وكما يشترط الإعذار من قبل المالك بشأن خطأ المقاول العقدي في تنفيذ التزامه. ثالثا: وللمحكمة سلطة في تخفيض قيمة الشرط الجزائي. حيث وفق المواد 265 و266 من القانون المدني، وإن كان المشرع قد سمح للأفراد – بعيدا عن رقابة القضاء – في تقدير التعويض – تنفيذاً أو تأخيراً - وفق سلطان الإرادة وأعفى المالك من إثبات الضرر. إلا أن الشرط الجزائي قد يتم تخفيضه إذا قدر جزافاً من قبل القضاء وإذا أثبت المقاول أن الشرط الجزائي مبالغ فيه – أي إذا أثبت المقاول أن التعويض الاتفاقي ليس متناسبا مع الضرر أو تقدير الغرامة التأخيرية لا يتناسب مع حجم المشروع – أو تنفيذ عقد المقاولة قد نفذ جزء كبير منه مما يكون معه هذا التعويض قابلا بطبيعته للمنازعة من جانب المقاول. فالشرط الجزائي إنما اتفق عليه قبل تنفيذ المشروع محل المقاولة، فإذا ما نفذ المقاول 70 % أو 80 % من المشروع وفق المواصفات المتفق عليها، فهل يستحق المالك التعويض كاملاً؟؟؟؟ وتطبيقاً لقاعدة «اليد البيضاء» إذ إن المالك لا يستحق التعويض الاتفاقي كاملاً إذا ما انفرد بالخطأ أو استغرق خطؤه خطأ المقاول، وكان هذا سببه منتجا للضرر متمثلا في حبسه للدفعة المقرر دفعها فرضاً، فلا يستحق المالك أن يقبض التعويض كاملاً إذا ما ساهم بخطئه في وقوع الضرر وأهمل كذلك في تنفيذ التزاماته العقدية. ويقع كل شرط باطلاً ينص في عقد المقاولة يسلب القضاء سلطته من بسيط رقابته على مدى توافر شروط الشرط الجزائي أو الرقابة عليه. رابعا: ويبرز الخطأ في المطالبة بالشرط الجزائي ما إذا كان الحق في فسخ عقد المقاولة مقررا له أو منشئا. فالقاعدة العامة أن الفسخ يجب أن يكون قضائياً. بيد أن الأمر يستلزم بعض التفصل. فالفسخ قد يكون اتفاقياً أو قضائياً أو قانونياً. فالفسخ الاتفاقي يحدث عندما يكون شرط الفسخ يسلب القاضي سلطته من تقدير أسباب الفسخ. والفسخ القضائي يحدث عندما يكون شرط الفسخ ضمنياً فيبسط القاضي سلطته في تقدير أسباب الفسخ. والفسخ القانوني يتوافر أسبابه عندما يتعلق استحالة التنفيذ لسبب أجنبي. خامساً: إذا ما طلب مالك المشروع الفسخ والشرط الجزائي معاً فإنه لا يجوز إعمال الشرطين معاً. إذ إن مفهوم الفسخ فقهاً وقضاءً هو إعادة الحال كما كان عليه قبل التعاقد. ففسخ عقد المقاولة ما هو إلا فسخ للالتزام الأصلي. ولما كان أن الشرط الجزائي ما هو إلا التزام تبعي ينقضي مع الالتزام الأصلي. فنظرية الفسخ تقضي بأن يعاد المتعاقدون للحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد، والحكم بالفسخ يقضي معه بفسخ كافة الشروط في العقد ومن ضمنها الشرط الجزائي. وفي هذه الحالة يُفهم أن سقوط الالتزام الأصلي ما هو إلا سقوط للالتزام التبعي. ولا يستحق المالك التعويض المتفق عليه في العقد، بل يستحق التعويض في القواعد العامة شريطة أن يثبت المالك – في هذه الحالة – الضرر كعنصر من عناصر المسؤولية المدنية.