26 أكتوبر 2025

تسجيل

الكتابة الخشنة

16 فبراير 2016

أظنّ أن كثيراً ممّن قرأ رواية "عطارد" للمصري محمد ربيع لم ينجُ من تعب وكآبة، بسبب الكارثية التي تدمّر أيّ إحساس بالتفاؤل تجاه الغد، فهي تنطلق من معطيات الربيع العربي (ثورة مصر) وما بعدها، وتقدّم صورة متخيّلة لأحداث تجري في العام 2025م، حيث تتعرض البلاد للاحتلال من قبل جماعة فرسان مالطة، فلا يبدِي الناس أيّ احتجاج، ويعيشون في همومهم اليومية. يقدّم ربيع (القاهرة) مدينة منكوبة، سكّانها مفرّغون من أيّ إحساس انفعالي بالقيم، تحرّكهم غرائزهم، في أحداث تجمع بين الواقعية السوداء، والغرائبية، البطل ضابط شرطة (أحمد عطارد) قنّاص محترف، يشترك في مقاومة المحتلّ، يطلب منه أن ينفّذ عمليات مختلفة لمدنيّين بهدف إشعال الثورة، لكنّه أدمن القنص وتحوّل إلى مجرّد قاتل نهاية الأمر، وقد بدا له أنّه يقوم بعملٍ نبيل إذ يرسل قتلاه إلى الجنّة. وفي الجوار ثمّة حيوات بائسة الإنساني فيها منعدم تماماً خلا شخصيات عابرة مهزومة متحوّلة إلى كائنات شبه قططية.يقدّم محمد ربيع صورة سوداء للقاهرة 2025، جامعاً بين تشاؤمية نجيب محفوظ وميلان كونديرا، وتصوير خيري شلبي وفحش هنري ميلر وتوني موريسون، وكأنّه جمّع كلّ المشاهد القاتمة في الروايات العالمية واعتصرها فكانت "عطارد" وكأنّك تقرأ فصلاً جديداً من حرافيش نجيب محفوظ. يمكن القول إن "عطارد" محمد ربيع بطاقة إنذار، ذات طابع تنبئ بمستقبل لا تملك من خلال معطياته إلاّ أن تتشاءم (يذكّرنا برواية 1984 لجورج إرويل)، الإنذار ذاته الذي رفعته السينما المصرية في أفلام العشوائيات. والأمر الذي يدعونا لتدبّر هذا التدفق الإبداعي الجديد الذي يعكس الواقع ويرسمه بمشارط حادّة، وتحتاج إلى قرّاء أكثر جلداً وصبراً وشجاعة لنصوص +18 كالسينما تماماً، خاصّة وأنّ صعود هذه الرواية إلى القائمة القصيرة للبوكر هذا العام سيجعلها نموذجاً لروايات أكثر حدّة وسوداوية.