15 سبتمبر 2025
تسجيلمقولة قديمة لا أعرف صاحبها قمت بتحريفها لأجعلها مثيرة نوعاً ما، واليوم سوف أتطرق لميدان حيوي، نمضي فيه وقتا لا بأس به، نتجول بين مساراته، شاردي الذهن تارة، ونصف مركزين تارة أخرى، حيث إن معظمنا هذه الأيام ينهك نفسه في محاولات بائسة للتوازن بين واقع حقيقي وواقع افتراضي مزعج ومشتت، فهو معلق بين هذا وذاك، واضعاً حياته على المحك، فلو انفصل قليلاً عن هاتفه؛ يعيش كاليتيم أو كالمفطوم عن ثدي الحياة، وإن كنتم حريصين على وقتكم، فافعلوا ما أفعله أثناء وجودي في السيارة، حيث بدأت منذ قرابة السنتين باستغلال هذا الوقت في التعلم والنمو، وأطلقت على ذلك آلية «التعلم على الماشي» وقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها ونجاعتها معي شخصياً، فبفضلها أستطيع أن أقوم ببعض الأمور التي لا أجد لها وقتاً كافياً، رغم حرصي على القيام بها كل يوم، إلا أنني أشعر بعدم إعطائها كامل حقها من الوقت، ومنها الاستماع إلى القرآن الكريم بخلاف تلاوته بالطبع، وتدبر كلمات الله، فأبدأ بطرح الأسئلة على نفسي: لماذا عبر القرآن بهذه الكلمة دون تلك في هذا الموضع؟ ما الحكمة من ذلك؟ وهنا تبدأ رحلة البحث في كتب التفاسير علني أجد ما يرضي رغبتي المتأججة في المعرفة، وربما أجد ما تستكين له نفسي في بعضها، بينما قد يخذلني البعض الآخر، أضف إلى ذلك سنحت لي آلية «التعلم على الماشي» حفظ أسماء الله الحسنى كاملة، وحفظت أذكار الصباح والمساء أيضا بنفس الطريقة، وبعض الأحاديث المتفرقة، واستمعت إلى العديد من (البودكاستات) أو النشرات الصوتية، والكتب المقروءة، والتي كانت دائماً تثير عندي التساؤلات، أو تستنبت الأفكار وتستنهضها، فأقف على جانب الطريق لأدون أفكاري وتساؤلاتي حتى أبحث عن إجابات لها لاحقاً، وأما حين أكون منهكة النفس ضائقة لموقف حدث لي أو أكون قد تعرضت لمشكلة ما؛ أتوقف عن التفكير المؤرق وأقضي هذا الوقت في ذكر الله عز وجل لتهدأ نفسي وتستقر فتبدأ الحلول تتنزل على وعيي وتنير بصيرتي. وللحفاظ على مستوى لغتي الإنجليزية وتطوير مهارتي في الاستماع لها، فقد كنت أستمع إلى دروس ومحادثات ونشرات صوتية باللغة الإنجليزية مما ساعدني كثيراً في حفظ المزيد من الكلمات ومعرفة كيفية استخدامها في سياق اللغة. كما أحاول في هذه الفترة من الوقت أن أستمع إلى مهامي التي يتوجب عليَّ القيام بها لهذا اليوم والتي كنت قد قمت بتسجيلها تسجيلاً صوتياً مسبقاً حتى أتجنب نسيانها. وكثيراً ما كانت هذه الآلية تقدم لي الأفكار الجهنمية إن صح التعبير، أو تعرض لي مفاتيح لأبواب مغلقة، أو تستثير عاطفتي، بعدما أكون قد استمعت لبودكاست ديني يحثني على عمل الخير فأهرع لعمله دون تردد، فأحصل على أجرها وأضيف أجراً لصاحبها، أو ربما أشعلت حماستي تلك الكلمات المؤثرة التي أنصت إليها فحرضت شيئاً في نفسي، فبادرت من فوري لأحقق رغبة ما أو أقوم بعمل ما. إلا أن «الحلو ما يكملش» على رأي إخواننا المصريين، فمضايقات مستخدمي الطريق كثيرة والأخطاء تتربص بنا من كل جانب، ومعظم هذه الأخطاء إما ناجمة عن جهل وقلة الوعي بأبجديات السياقة أو سوء تقدير أو سوء الخلق، أو معتقدات خاطئة لدى السائق يعبر عنها بسلوكيات مزعجة. ومع تكرار رؤيتي لهذه السلوكيات تقافزت أفكاري الجهنمية لتخرج لي ببعض الحلول، للحد من هذه السلوكيات والخروج بجيل مثقف ومتحضر من السائقين، فقيادة السيارة فن راقٍ ومظهر حضاري، فطريقة قيادتها وأسلوب التعامل معها يعكسان شخصية ونمط حياة مستخدميها، ويظهران مدى التحضر والتقدم واحترام المجتمع والآخرين. ومن هذه الحلول اعتماد اختبارات شخصية ونفسية وأخلاقية، واختبارات التركيز والقدرات للمتقدمين على تعلم السياقة، وعلى المتقدم أن يجتازها كشرط لقبوله في مدرسة تعلم قيادة السيارات، فبإمكان مثل هذه الاختبارات أن تبين لنا طبيعة الفرد، وردود أفعاله المتوقعة، ومدى التزامه أخلاقياً وذوقياً، ومدى صحته النفسية وقدرته على التركيز وتفادي المشتتات. إن الارتقاء بقيادة السيارات، من مجرد قدرة الفرد على تشغيل المركبة وقيادتها، إلى فن أخلاقي وحضاري، ضرورة لابد منها، خاصةً وأنها تعتبر من الأشياء التي من الممكن أن تعطي انطباعاً أولياً للزائرين، عن مدى تحضر وتطور أفراد المجتمع. فلا تتهاون عزيزي القارئ بثقافة الطريق ولا بالوقت الذي يمكن أن تمضيه على الطريق، لاسيما أثناء ساعات الذروة والطرق المزدحمة، وأثناء التوقف للانتظار، فإن أحسنت استغلاله ففيه من الفوائد الكثير، وإن كان مقدراً لنا أن نتعرض لحادث قد يودي بحياتنا لا سمح الله، فقد يكون آخر وخير ما نستمع إليه هو كتاب الله أو علم نافع. دمتم بود [email protected]