16 سبتمبر 2025

تسجيل

موت الإخباري

16 يناير 2018

تركت حماري في بيت مهدم قريب من سوق محيي الدين، وأكملت ما تبقى من المسافة على قدمي.   كان ثمة زحام كثيف على ركن الإخباريين، وقارئ الأخبار، لؤي البرهان وعبد الحكم الزرافة يبكيان، ومئات الأشخاص ممن كان يطربهم صوت الإخباري الراحل أو تأسرهم رقته وفتنته، يبكون أيضا بدموع بدت لي كثيفة، وغير مألوفة، ولم يكن من اللائق إحضار والده الشيخ، ووضعه على الدكة التي طالما جلس عليها ابنه، ليردد بلا ذاكرة، وبكثير من المأساة: ورحمة الله وبركاته..ورحمة الله وبركاته.  كان عاديا أن تسمع: يا وجعي على المريد، أو يا كبدي عليه، تتردد من الأفواه، وحيطان الدكاكين، وحتى من الكلاب والقطط والأغنام وربما الزواحف التي تتحاوم في المكان، وأن ترى نساء بأزياء سوداء، يلطخن الشعر بالطين. وقفت ساعة أتطلع إلى الناس وبي وجل مثلهم، وأرى شرطة الخيالة وقد تمدد نشاطها ليغطي السوق وما حوله، من الطرق والبيوت وقد حمل أفرادها عصيا رقيقة  من نبات القنا، كانت تسمى: البكاءات، وتستخدم في طي أي صفحة من صفحات الشغب، قد تنفتح في مكان ما من المدينة، وأسمع عن تحضيرات كبرى لتسيير جنازة حزينة في شوارع كونادي، يتقدمها الملك، أو أحد كبار وزرائه، وسيدفن المريد في مقبرة خاصة، لا يدفن فيها عامة الشعب.  عند ذلك فقط سألت نفسي أسئلة مجرمة، تشبهني إلى حد ما، لكن ظهورها على ذهني تأخر كثيرا:   ما دور المريد مرجان في تنمية قير؟ ماذا فعل من أجل الفقر والجوع والمرض؟      وهل بث الأخبار كل صباح من ركن في السوق يعد إنجازا لدرجة أن تبكي الدنيا كلها عليه إن مات؟ لم آت على سيرة ملثم الليل المجرم الذي كان يجسده، في ذهني، كأنه لم يكن قط وأتحدث عن الإخباري فقط، الرجل الذي يأتي مبكرا ليبتسم أو يبكي أو يتلوى بصوته، ويقرأ من رقع مرتبة ما ورد إليه من أخبار؟ كان وسيما حتى وهو يزحف نحو الكهولة، لكن الوسامة ليست تنمية وليست ذات فائدة لأحد وتزوى كما تزوى كل الكائنات، وملحقاتها.