17 سبتمبر 2025
تسجيلالإشكاليات التي يعيشها المثقفون العرب هذه الأيام كثيرة، والتناقضات التي يحملونها لا تحصى. انكشف العديد منها منذ أن احتل شعار "ارحل" الطرقات والأرصفة والشوارع العربية. وكشف عن أن الكثير من المثقفين أو المحسوبين على الثقافة تشبّعوا بروح الديكتاتورية مثلما الأنظمة السلطوية العربية وتماهوا مع الضيم والاستبداد. شاركوا في تأييد الثورات في بعض البلدان لينتهي بهم الحال إلى طعن الثورات في بلدان أخرى. لقد اعتادوا أن يعتاشوا بين مغازلة السلطة ومغازلة أحلام الجماهير.تعرفنا على نخب ومثقفين وإعلاميين وصحفيين يعيشون كل أنواع التناقضات والأمراض النفسية في كتاباتهم وحواراتهم ومناظراتهم في الصحافة والإذاعة والمحطات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعية، وفي كتبهم ورواياتهم ومدوناتهم. تنازلوا بطوعية عن مبادئ إنسانية أساسية، من حرية وكرامة ورفض للظلم والطغيان والعبودية والطائفية والأدلجة، وهاجموا بكل بشاعة المخالفين لهم مواقفهم الجبانة المتخاذلة المساندة للديكتاتورية، لأنهم يرفضون ما يقبلونه هم على أنفسهم من طغيان واستبداد وانعدام للكرامة وتقديس مجموعة أفراد تافهة تختزل في شخصياتهم حاضر ومستقبل شعوب بأكملها.ما هو دور المثقف ان لم يكن يدافع عن الحق والعدل، أو على الأقل عدم المشاركة في مساندة الظلم والطغيان. ما الذي يزعج ويقهر بعض "المثقفين" من التغيير نحو الديمقراطية التي صدعوا رؤوسنا في التنظير لها خلال العقود الماضية، وحينما خرجت الشعوب العربية ترفع راياتها وتطالب بها، ارتدوا على أعقابهم خائفين من مطالب الشعوب للديمقراطية وكأنهم يشعرون بأن أحدا ما أتى ليأخذ ما كانوا يعتبرون أنه دورهم المقصور عليهم حصرا. كيف انفصل هؤلاء عن واقع شعوبهم، وتقوقعوا في جحور الأفكار المغلقة على ذاتها وعجزوا عن ملامسة الواقع السياسي والاجتماعي للبلاد العربية وكأن النظام الديكتاتوري بديل عن المخاوف من المجهول القادم المتخيل لديهم ويصعب عليهم تخيل حياة أخرى في غياب الاستبداد.تجرع سقراط السم بشجاعة وكذلك تفعل الشعوب العربية التي تخرج لملاقاة حتفها بمواجهة الدبابات والعسكر والشبيحة، بحثا عن الحرية والكرامة، ويبقى على الضفة الخاسرة المثقفون السفسطائيون المتخاذلون، يلعبون على الكلمات والمخاوف لاستمرار ثقافات الاستبداد والترهيب والتخويف. وكما نزل التاريخ الفلسفي من السماء إلى الإنسان وتلاشت سلطة السفسطائيين، يسطر التاريخ الحاضر صفحة جديدة للشعوب العربية تنتزع منه الوصايا من السلطة الاستبدادية الديكتاتورية وسدنة هيكلها، وتعاد إلى الإنسان في الشارع.