13 سبتمبر 2025
تسجيلالانصاف هو استيفاء الحقوق لأربابها بأن تعطى غيرك من الحق مثل الذى تحب أن تأخذه منه لو كنت مكانه ويكون ذلك بالأقوال والأفعال فى الرضا والغضب مع من نحب ومع من نكره. وهو منهج قرآنى يقول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ اِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ويقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ اِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَاِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَاِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} وقال الله مخاطبا نبيه داود { يا دَاوُودُ اِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}. حتى مع الأعداء أمر الله بالانصاف {انما يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا اِلَيْهِمْ اِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * اِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى اِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. والانصاف شعار الاسلام منذ بدايته يقول الشيخ عبد الوهاب خلاف: " حين جاء الاسلام كان انصاف الضعفاء من الأقوياء أظهر شعائره وأول أهدافه، كذلك أنصف الفقراء من الأغنياء فقرر فى أموال الأغنياء حقًا معلوما للسائل والمحروم، وأنصف اليتامى ممن يتولون أمرهم فقال سبحانه { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ اِلَى أَمْوَالِكُمْ اِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم سيد المنصفين بحق داويت متئدا وداووا طفرة **** وأخف من بعض الدواء الداء أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى **** فالكل فى حق الحياة سواء فاذا سخوت بلغت بالجود المدى **** وفعلت ما لا تفعل الأنواء واذا عفوت فقادرا ومقدرا **** لا يستهين بعفوك الجهلاء واذا رحمت فأنت أم أو أب **** هذان فى الدنيا هما الرحماء ويتجسد الانصاف فى نهج النبى جليا واضحا فى قصة الصحابى الجليل حاطب بن أبى بلتعة رضى الله عنه عندما كاتب كفارَ مكّة سِرًّا، يخبرهم بعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزوهم، وعلم النبى صلى الله عليه وسلم بذلك، فأرسل مَن أخذ الكتاب مِمّن خرج ليصل به الى كفار مكة. ودعا حاطبًا، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((يا حاطب، ما هذا؟!))، قال: لا تعجل عليَّ يا رسول الله! انى كنتُ أمرأً مُلْصَقًا فى قريش (وكان حليفاً لهم، ليس من أنفسهم)، وكان مِمّن معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون أهليهم، فأحببتُ — اذ فاتنى ذلك من النسب فيهم — أن أتّخذَ فيهم يداً، يحمون بها قرابتي. ولم أفعلْه كُفْرًا، ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الاسلام. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ((صدق)). فقال عمر: دَعْنى — يا رسول الله — أضربْ عُنُقَ هذا المنافق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (( انه قد شهد بدراً، وما يُدريك لعلّ الله اطَّلعَ على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم " هذا هو الاسلام دين العدل والانصاف مع من أحب ومن بغض، مع من وافقت ومن خالفت وجعل أساس الحكم على الناس العدل لا الحيف والقسطاس لا الهوى. والنبى صلى الله عليه وسلم وكذا أصحابه من بعده جسدوا هذا المبدأ حتى مع غير المسلمين، حتى جعل من يظلمهم أو ينتقص منهم شيئا كان النبى صلى الله عليه وسلم حجيجه فقال «من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنّة وانّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما» وسار الخلفاء الراشدون والصّحابة على هذا الدرب، فها هو عمر بن الخطّاب — رضى اللّه عنه — يوصى بأهل الذّمّة قائلا: «أوصيكم بذمّة اللّه فانّها ذمّة نبيّكم ورزق عيالكم». وروى مسلم عن المستورد بن شدّاد القرشيّ أنّه حدّث عن عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «تقوم السّاعة والرّوم أكثر النّاس! فقال عمرو: أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: لئن قلت ذاك انّ فيهم لخصالا أربعا: انّهم أحلم النّاس عند فتنة، وأسرعهم افاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك». فهذا هو انصاف عمرو رضى الله عنه، فلم يمنعه بغضه لعدوه ألا يذكر أوصافا هى فيهم خصال خير. ويأتى عبد الله بن رواحة ليؤكد لنا هذا المعنى حينما بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الى خيبر ليخرص لهم الثّمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال عبد اللّه: «يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق اليّ، قتلتم أنبياء اللّه — عزّ وجلّ —، وكذبتم على اللّه، وليس يحملنى بغضى ايّاكم على أن أحيف عليكم. فقال اليهود: بهذا قامت السّموات والأرض». علق الحافظ بن عبد البرّ على الواقعة قائلاً: "وفيه أنّ المؤمن وان أبغض فى اللّه لا يحمله بغضه على ظلم من أبغضه "