16 سبتمبر 2025
تسجيللن أدعي بأن ما حدث كان مصادفة بحتة، وحدث فقط، حين هاجت دمائي فجأة، واختلت سيطرتي على نفسي، وأنا أشاهد حلما غاليا، جذابا، شيدته بخلاياي، وأكثر من خلاياي، على مدى عامين تقريبا، يتفكك أمامي بلا أمل في إعادة ترميمه.لن أقول إن أم جمعة عيسى، بائعة الشاي الصبية، المثقفة، الوغدة في دلالها، الرائعة حد تحول الروعة عندها إلى نصل جارح، قاتل،- لوكريثيا الحواري الضيقة، كما كنت أسميها دائما، على اسم بطلة رواية إسبانية أحببتها، قد استفزتني في ذلك اليوم بالتحديد، تعدت على بيوت حلمي المتعددة، الممتلئة بالأمل، وبعثرت مكوناتها، لا لن أقول ذلك، ولن أكون صادقا إن قلت، فقد كان الأمر مخططا بعمق، ومثلما خططت للحلم أن يحلق عاليا في سموات حياتي، خططت له أن ينهار في ذلك اليوم الشتائي من شهر ديسمبر، ولأول مرة منذ سمعت بجملة: كانت النية مبيتة، أحسست بأنني صاحب تلك الجملة، أمسكها بين يدي، ألهو بها، ويمكن أن أوزعها لآلاف الناس أو حتى أبيعها لمشاريع الغدارين، حين ينوون اقتراف الغدر.. النية مبيتة، يا لها من عبارة وغدة، وقحة، سيئة الأخلاق، مسلحة بكيمياء الهوس، ومسؤولة عن كل تفاصيل الانتهاك، وتدمير الذات والآخرين.أعرف أن أمي مرفوعة ضو البيت، التي بلغت الستين عاما منذ أيام فقط، بصحة ليست جيدة، وليست سيئة، وكانت عملت خادمة في البيوت، وماشطة لشعر النساء التقليديات، ودلالة لبيع السلع الحريمية المستهلكة، من ملابس وعطور، وأدوات منزلية، وأحيانا بائعة للحقن البلاستيك، والزجاجات الفارغة أمام باب المستشفى الكبير، بعد أن توفي أبي، حتى تعلمت في الجامعة، وحصلت على شهادة في علم الاجتماع، لن تصدق ما حدث، ستقول إن عبدالقيوم، ابن بطني، كان أسيرا لصحبة سيئة في ذلك اليوم، كان مخدرا بمواد لا يعرفها، وسيئ الحظ بدرجة كبيرة، وربما سكرانا أجبر على السكر، والذي حدث، لا يمكن أن يحدث لو كان ذلك الولد أنيقا، ودافئا وقليل الكلام كما نعرفه كلنا.ستقول أختي نجلاء، التي تصغرني بستة أعوام، وهي الآن زوجة، وأم، وموظفة في شركة طيران محلية، وليست صغيرة ولا دلوعة، ولا تعشق الشكوى والبكاء المتواصل بلا سبب كما كان في السابق، إن عبدالقيوم، شخص متمدن وحضاري إلى أبعد حد، وقارئ جيد للكتب، لكن في الوقت نفسه ولأسباب غير معروفة، قد يضحي بالثور من أجل أن يحصل على الحبل الذي ربط به الثور. وقد يقطع إصبعه شخصيا، إن أحس بأن ذلك الأصبع لم يعد مهما. نعم ستقول نجلاء ذلك أو شيئا شبيها بذلك، ولطالما كانت صاحبة أكثر أفكار ملتوية عرفتها، وأذكر حين خطبت، أن ظلت تخترع الدروب المتعرجة لخطيبها، حتى أوشك أن يفر.