12 سبتمبر 2025
تسجيلتستند فلسفة المشرع في قانون الصرف بأن الشيك أداة وفاء فقط وعلى من يدعي خلاف الوضع الظاهر بان يقيم الحجة على ذلك. والمقصود بأن الشيك أداة وفاء أي إنه يقوم مقام النقود في إتمام الصفقات. فالشيك يحتوي بذاته على سبب في إصداره، وهو والدين المترتب في ذمة الساحب المدين مصدر الشيك الى الدائن وهو المستفيد. والشيك بوصفه ورقة تجارية، فإن استخدامها لإبرام صفقات يضفي عليها الصفة التجارية بسبب استخدام الشيك.. وطالما أن الشيك بيد الحامل، فهو مازال دائنا ولم يستوف حقه. وللحامل أن يرجع على الساحب بأربع وسائل لاقتضاء دينه. الوسيلة الأولى هي مباشرة حق الشكوى في الشيك إذا أقيمت في الميعاد القانوني، فيستطيع الدائن بأن يتقدم بالحق المدني أمام قاضي الجنح للفصل في مسألة المديونية. وتعتبر هذه الطريقة – في حال قبول الادعاء بالحق المدني – من أسرع الوسائل للحصول على السند التنفيذي من قبل الحامل. ويرجع السبب في سرعة الفصل بأن المجلس الأعلى للقضاء استحدث دوائر في محكمة الجنح للفصل في جرائم الشيكات بوقت قياسي. الوسيلة الثانية تتركز على دعوى الصرف أمام محكمة الاستثمار والتجارة، ويقصد بدعوى الصرف بأن الشيك – كورقة تجارية – يحتوي على البيانات الكافية بذاته – دون الحاجة لأي ورقة أخرى – لإثبات الالتزام. إذ إنه وفقا لمبدأ " الكفاية الذاتية للورقة التجارية" أن الشيك يقوم بدوره كأداة وفاء إذا توافرت به البيانات المطلوبة وفقا للباب الخامس من قانون التجارة القطري. فعند الرجوع على الساحب، يتم الرجوع حسب القواعد الإجرائية والموضوعية التي رسمها المشرع للحامل في قواعد الصرف. الوسيلة الثالثة تستند الى العلاقة الأصلية بين الحامل ومحرر الورقة. إذ إنه في حال تقادمت الدعوى، أو اعترت الورقة بخلل في هيكلها الشكلي التي يتطلبه المشرع، فيستطيع الدائن أن يستند في مطالبته الى العقد الأصلي ( عقد بيع أو (Purchase Order كسبب في الدعوى ويعد الشيك دليلا في الدعوى في تلك الحالة. الوسيلة الرابعة هي اللجوء الى إصدار أمر بالأداء لتحصيل قيمة الشيك. وأمر الأداء هو استثناء من القواعد العامة ويشترط في لجوء الدائن في هذه الحالة أن يكون الدين المطالب به مبلغاً من النقود ثابتاً بالكتابة حال الأداء معين المقدار، ومؤدى ذلك أن يكون الدين ثابتاً بورقة عليها توقيع الساحب ويبين منها أن هذا الدين حال الأداء ومعين المقدار فإذا لم يكن الدين معين المقدار أو كان محل نزاع من قبل الساحب، فإنه لا سبيل للمستفيد الدائن إلى المطالبة به إلا عن طريق اللجوء الى قاضي الموضوع لإثبات حقه، والشاهد أنه لا يجوز للمستفيد أن يلجأ إلى طريق استصدار الأمر بالأداء لأنه استثناء من القواعد العامة فـي رفع الدعاوى لا يجوز التوسع فـيه. إلا أن المتعاملين بالشيك قد رسموا طريقا في التعامل به خلافا عن الفلسفة التي رسمها المشرع، إذ إن الكثير يتعامل بالشيك على سبيل أنه أداة ضمان لالتزام معين وليس أداة وفاء يقوم مقام النقود في إبرام الصفقات. ولذلك، فقد اتجهت محكمة الاستثمار والتجارة الى وضع الشيك في موضعه الحقيقي وهو باعتباره أداة وفاء. وفي سبيل تحقيق الغاية من الشيك، فقد نصت المادة (8) من قانون رقم (21) لسنة 2021 بإصدار قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة ("يجوز أن تتولى دائرة ابتدائية أو أكثر، مشكلة من قاض فرد... بإصدار أوامر الأداء، أيا كانت قيمتها، ودون الحاجة لتكليف المدين بالوفاء، والفصل في التظلمات الواردة عليها. "). وتنص المادة (18) من ذات القانون (... وإذا تبين لمكتب إدارة الدعوى أن الدعوى مما يجوز أن يصدر بشأنها أمر أداء، وجب أن يُحيلها إلى الدائرة المختصة باستصدار أوامر الأداء مباشرة ") وهذا النص بذاته استثناء من القواعد العامة في قانون المرافعات، حيث يتطلب المشرع بأن يقوم المدين بتكليف الدائن بالوفاء أولا ثم اللجوء الى طريق إصدار الأمر بالأداء. إلا أن محكمة الاستثمار والتجارة – وحسنا فعلت – عاملت الشيك الذي تتوافر به الشروط الموضوعية والشكلية كدين محقق المقدار وحال الوفاء وخال من النزاع. وبمجرد اللجوء الى المحكمة، يصدر أمر بالأداء كسند تنفيذي بيد الدائن يستطيع مباشرة دعوى التنفيذ على أموال المدين. وإذا ثبت بأن الشيك حرر على سبيل الضمان، فلا سبيل للمدين سوى الطعن بالاستئناف وإثبات ما كان ظاهرا خلاف ذلك. أخيرا، هنالك توجه من قبل المشرع بخطى متسارعة نحو إضفاء صفة السند التنفيذي على الشيك. بمعنى أن حامل الشيك، بمجرد حصوله على ورقة من المسحوب عليه تفيد ارتداد هذه الورقة التجارية، يستطيع اللجوء مباشرة على قاضي التنفيذ ومنع المدين من السفر وإيقاع الحجز التحفظي والتنفيذي على المدين. وهذا الأمر ينطوي على خطورة جمة. إذ أن الشيك – كمحرر عرفي – قد يتفق طرفاه على أن يكون على سبيل الضمان وليس أداة وفاء، والحكم على هذه المسألة لا يفصل فيها إلا قاضي الموضوع. وقد يكون التوقيع على الشيك توقيعا مزورا، ولا يستطيع قاضي التنفيذ الفصل في هذا الدفع الموضوعي. لذلك، فإن إضفاء صفة السند التنفيذي على الشيك - على الرغم من توجه محكمة الاستثمار والتجارة إلى إصدار أمر الأداء – هي محل نظر.