17 سبتمبر 2025
تسجيلحين انتهيت من كتابة روايتي توترات القبطي، ذلك النص المرهق الذي استرق مني عدة أشهر من البحث والتنقيب، والمتابعة المتواصلة، ونشرتها بعد ذلك، قرأها الكثيرون باعتبارها قراءة لتاريخ حقيقي، وبالتالي وضعوا آراءهم حولها، من ذلك المنطلق، وكانت ثمة أبحاث كثيرة، أجراها البعض، بحثا عن شخصيات حقيقية، وردت في الرواية، وربطها بالأحداث التي عثروا عليها في كتب التاريخ. في الحقيقة، أنني في توترات القبطي، أخذت مقطعا معينا من التاريخ، فترة معينة لم تكن في الواقع واضحة تماما للمؤرخين الذين كتبوها تاريخا، وإنما رويت بروايات مختلفة لعدد من الذين كتبوا، كلٌ يكتبها من زاويته الخاصة، وكان عليَ أن أخترع نصي وسط تلك الفوضى الحكائية، أخترع شخوصاً لم يكونوا موجودين في الأصل، وجوا لم يكن موجودا أيضا، وأساطير لم تكن من ضمن سياق النص التاريخي، لكن الرواية تحتملها، وعلى عكس كثير من الكتاب، ممن اعتادوا إعادة رواية التاريخ، بطريقة حكائية ولكن بنفس ثوبه وعمامته، ووقائعه التي حدثت، وأيضا شخصيات رئيسة، كانت حاضرة ساعة وقوع الأحداث الأصلية، لم أفعل ذلك. تركت النص حرا يتسكع في تلك الفترة البعيدة، ويمشي على هواه. مشكلة هذا النوع من الروايات التاريخية، أو الروايات التي تحوي في جوها عبقا تاريخيا معينا، إنها تقرأ كتاريخ صرف، وليس كنص إبداعي منفصل عن ذلك التاريخ، ودائما تعثر على من ينتقدك بحدة، بعد أن يقرأ، ويسوق إليك كثيرا من الحقائق التي لم تغفلها سهوا، ولكن لم ترد كتابتها في النص، وقد تجد من يتهمك بلي عنق التاريخ لغرض ما، ولكن في النهاية كلها آراء لن تثني الكاتب الواثق من كتابته، عن المضي قدما. أذكر حين كتبت مهر الصياح، وجعلتها في فترة تاريخية محددة أيضا، من دون أن أتعرض لساكني تلك الفترة أي نوع من التعرض، واجهني ذلك الكلام نفسه، عن تشويه التاريخ، الذين قالوا ذلك، استنتجوا تاريخا في نص إبداعي ولم يجدوه، وبالتالي كان انتقادهم. أعتقد أن القراءة الخاطئة، سمة من سمات هذه الأيام، وقد أصبحت القراءة الصحيحة الخالية من الأغراض، شبه منعدمة، يقولون إن نصوص هذه الأيام غامضة ولا تشبه النصوص التي صدرت في سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لذلك تقرأ بهذه الطريقة، ونقول دائماً، إن الكتابة مثلها مثل كل أدوات الحياة، تتغير وتتطور، ولكن تحتاج إلى الذهن الذي يتطور معها، ولا يحاول إعادتها إلى عصر الأغلال البعيد.