11 سبتمبر 2025

تسجيل

يَقُولُونَ: نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ

15 أكتوبر 2023

هي واقعة متجددة، وحكاية متكررة، تقابلها آية محكمة، ومصير متحقق، وكل إنسان طائره في عنقه قائم، هو المسؤول عن نفسه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. سجل القرآن تلك الواقعة في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ). الجمل هنا واضحة بينة الوضوح في أن عقد الولاء لا يصح إلا مع المؤمنين، فإن انتكس متنكس؛ فحكم الله ماض إلى قيام الساعة (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)! لقد كان الأجدر والحال على ما مر؛ أن يسلّم القوم بذلك إذعانا وإيمانا، وألا ينتكس منها أحد على عقبيه، لكن هذا لم يحدث، فقد قال فريق في قلوبهم شك وريبة ونفاق (نخشى أن تصيبنا دائرة) أي يخشون أن يقع الظفر للكفار على المسلمين؛ فعوضا أن يعاونوا ولو بالدعاء، بادروا - بتلك الخيانة - لتكون لهم عند القوم أياد ظاهرة! لكن الله قال معقبا: (فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِين). إن القاعدة المحكمة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم أن (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره). والخذلان كما قال النووي: ترك الإعانة والنَّصر ممن ليس له عذر شرعي، وهو أمر محرم ولا ينبغي للمسلم أن يتصف به، فإن فعل فالجزاء من جنس العمل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما مِن امرئٍ يخذل مسلماً في موطنٍ يُنتَقَصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته، إلا خذله اللهُ في موطنٍ يحب فيه نُصرتَه، وما مِن امرئٍ ينصر مسلماً في موطنٍ يُنتقَصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته، إلا نصره اللهُ في موطنٍ يحبُّ فيه نُصرته». وإن من مظاهر الخذلان اليوم تجاهل البعض قضية أهلنا في غزة، والتغافل عن الدعاء لهم، وترك مساعدتهم ومساندتهم، وكأنهم لا يدافعون عن مقدسات الأمة كلها! أليست تلك هي الأرض المباركة التي قدسها الله في القرآن: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}؟! أليست أرض الأنبياء والمعجزات وأرض الحشر والنشر وفيها أولى القبلتين وثالث المسجدين المعظمين، وبها قبور الأنبياء والصحابة والصالحين؟! ففيها منح سليمان عليه السلام: {الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}. ونصص القرآن على بركتها في أكثر من آية: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} القرى المبارك فيها قرى بيت المقدس، وقيل: الأرض في الآيات الثلاث أرض الشام، والقدس من الشام. إن الإسلام يقرر أن الأمة التي لا تنتصر للضعفة؛ أمة غير جديرة بنصرة الله ومعيته، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لما رَجَعَت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُهَاجرة البحر، قال: «ألا تُحَدِّثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟». قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرَّت بنا عجوز من عجائز رهابينهم، تحمل على رأسها قُلَّة من ماء، فمرَّت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثمَّ دفعها، فخرَّت على ركبتيها، فانكسرت قلَّتها، فلمَّا ارتفعت، التفتت إليه، فقالت: سوف تعلم - يا غُدر - إذا وضع الله الكرسيَّ، وجمع الأولين والآخرين، وتكلَّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدًا، قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَت صَدَقَت، كيف يقدِّس الله أمَّة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟». اللهم احفظ أهلنا في فلسطين، وكن لهم ناصراً معيناً.