27 سبتمبر 2025
تسجيلبعيداً عن فوز الصيني مويان بنوبل للأدب هذا العام ؛ كانت السفيرة اللبنانية وفي ملحقها الثقافي السبت الفائت خصصت لشاعر العربية الأول ملفاً بسيطاً ، قوامه بضع مقالات أعدت على عجل ، لا تخلو من القسوة ، وكأن الملف يعيد قراءة الخريطة الديمغرافية في المكان والزمان الذي سعت فيه قدما الشاعر ، وخطت فيه قصائده ، في إشارة إلى الأحداث الجارية، حيث يرتبك وجه الجغرافيا أمام تحديات الهويات الجديدة وأحلامها الشرسة ( بحسب الروائي الفرنسي لوكليزو). كأن يكتب عباس بيضون في مقدمة الملف :" ليس دفاعاً عن الباس بيضون في مقدمة الملف :" ليس دفاعاً عن المتنبي" وكأن الرجل موضوع في قفص الاتهام ، والمثقفون يتعطفون عليه بكلمة حقّ. وبيضون يرى أن الرجل الذي :":" يهجو من مدحهم .. وهو نفسه فوق الخلق لكنه يتوسل سجانه ..واضعاً نفسه العالية الأنوف موضع العبيد" ويلفت إلى أننا نحاكم المتنبي من موقع عصر هو غير عصره. بداعي أن مفاهيم القيم تغيّرت ، وأن ما يأنفه الشاعر اليوم لم يكن في الماضي بالضرورة. بل يعيد سبب طموحه وغروره واعتزازه بذاته المتناقض في كل هذا مع سلوكه إلى طبيعة عصره ، عصر المتصوفة والطامحين من الهامش إلى سلطان مغاير ، وربما كان هذا التفسير جديداً ومقبولاً ، ولكن السؤال يبقى لماذا المتنبي؟ حاول الباحث السوري الإجابة على السؤال لأنه :" كأن من نفسه الكبيرة في جيش وفي كبرياء ذي سلطان " لأن حال المتنبي والكلام للمقداد ظلت تنوس بين الدلالة والمعنى. الدلالة بوصفها شكلاً ثابتاً ومستقلاً، والمعنى المتغير تبعاً للسياق، داعياً إلى أن تتخلص قراءة المتنبي من :" قيود السيرة الذاتية، وتأريخ الأدب". وعلى ذكر السيرة الذاتية فثمّ من رأى في حكاية المتنبي طيفاً :" هاملتياً مقلقاً يليق به الطرد وفق لعبة الحضور والغياب التي أتقنها هو واقعاً وشعرا". ذلك ما أكده ناقد آخر معبراً عن سطوة شعره العابر للزمن ". ولأن محاكمة الرجل ديدن المرحلة فقد تساءل الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين :" لو تسنى لنا اليوم من يأخذ أبا الطيب المتنبي إلى عيادة طبيب نفسي ماذا كان ليقول فيه؟" و يفترض للمعرفة بشاعر العربية أن تكون لطالب ذاك معرفتان: "معرفة باللغة ومعرفة بأحوال النفس البشرية". أتساءل عن موجبات تخصيص ملف من مقالات غير منسجمة عن المتنبي ، تتفق جميعها على النيل من الرجل ، وقد سبق أن نال وجبة ساخنة من النقد على أيدي الليبراليين العرب باعتباره شحاذاً عظيماً بحسب عبد الله الغذامي قبل أن يكون شاعرا عظيماً ، كما أن مواطنه الشاعر غازي القصيبي له ذات الموقف من الشاعر ( المتسوّل) . في ظل النشوة القومية كان المتنبي مالئ (الجرائد) وشاغل (طلبة الجامعات) لا يكاد يمرّ يوم إلاّ وشكسبير العرب يطلّ من عنوان كتاب خارج من المطبعة ، أو رسالة جامعية أو حتى مشهد درامي، كان المتنبي الأيقونة التي اجتمع عليها عرب الحلم ، قبل أن تودّع العروبة الآن معالمها ورموزها و مصطلحاتها. ولئن عاش جميع شعراء العربية و مثقفيها على مخلاة الشحاذ العظيم المنافق ، فقد جاء الوقت لـ " قتل الأب الشعري " . بحثاً عن تيه جديد أو صومعة جديدة ، لقصيدة جديدة :" غريبة الوجه واليد واللسان ".