11 سبتمبر 2025

تسجيل

الجمعة 12 أكتوبر ... الحقيقة الفارقة

15 أكتوبر 2012

منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 في مصر لم تكن جماعة الإخوان أبداً ومعها فصائل ما يسمى بتيار الإسلام السياسي داخل معسكر الثورة علي أي نحو. انضم شباب منهم للثورة وفرضوا على تنظيمهم الانضواء داخل حركة الثورة في الميادين لثلاثة أيام من جملة الأيام الثمانية عشر الأولى. كانت حسابات التنظيم ذاتية، وكان كشأن باقي الأحزاب والكيانات بل والعديد من النخبة يبحث مع النظام السابق حلولا إصلاحية لا تتسق ونداء التغيير الذي عبرت عنه الحشود الشعبية، وصدرت الأوامر لعناصر جماعة الإخوان بالانسحاب من الميدان، وكان الالتزام الأساس للإخوان هو تفريغ الميدان من المتظاهرين. وجرى توظيف الدين والإثارة في مواجهة المسيحيين المصريين واتهام أي رأي مخالف بالكفر والإلحاد، وكانت هذه المطلقات أدوات التهييج الشعبي في مواجهة الثورة. تحالف المجلس العسكري مع الإخوان وتلك التنظيمات، سواء كان ذلك نتيجة قصور في إدراك المجلس لمعنى ما حدث في مصر أو لحقيقة هذه الكيانات وطبيعتها أو كان اتفاقا مع رؤية أمريكية وإقليمية، وتحول التحالف إلى القوة الرئيسة المضادة للثورة والساعية للسيطرة عليها. البداية كانت في لجنة البشري التي حولت مطلب التغيير إلى تعديلات دستورية، وقدمت الانتخابات على وضع الدستور الجديد لمصر، ولتتعدد المواجهات بين حركة شباب الثورة وهذا التحالف ليتزايد عدد الشهداء والمصابين وتتبدل الخصومة من خصومة مع النظام السابق إلى خصومة مع هذا التحالف، غير أن جماعة الإخوان نجحت عن طريق جهاز الإشاعات لديها أن تخفي نفسها من الخصومة وتبقى على المجلس العسكري خصما أساسيا مع الثورة، وهي في الوقت ذاته تسعى لتجني ثمار الانتخابات غير عابئة بمن يسقط من الشهداء أو بتصاعد الأحداث. استطرد الإخوان في محاولات السيطرة على مفاصل الدولة في الأزهر والقضاء والمحكمة الدستورية والإعلام، ولم يكن نجاح الإخوان لمجرد امتلاكهم لتنظيم السمع والطاعة، ولكن ساعدهم على ذلك عجز كافة القوى السياسية الأخرى التي تساقطت كأوراق الخريف الجافة بلا ارتباط مع قوى المجتمع وبدون قدرة على تطوير أدائها لمواكبة حقيقة حركة الشعب وحصرت نفسها في تنافس على صناديق الانتخابات بل والتحالف أحيانا مع الإخوان. عجز استتبعه خروج من خندق الثورة ومهامه، ليتحول الأداء إلى مجرد كلام وسباق على الكراسي دون فعل يبني النظام الجديد أو حتى يطرح رؤية له، ليتحول إلى صراع على السلطة، وتحت عنوان الشرعية القانونية واستسلم الكل لخيار (الانتخابات أولا)، وأسقطوا خيار (الدستور أولا). وسادت قناعة أن هناك أموالا مهربة بالمليارات، وأن القواعد الخارجية لاسترداد هذه الأموال هو محاكمة النظام والقتلة وعناصر سرقة ثروة الشعب أمام "القاضي الطبيعي" وكأن ما حدث في مصر ليس ثورة تقتلع النظام من جذوره، وفق شرعية إرادة الشعب، فلا نالوا للشهداء حقوقهم ولا هم استردوا الأموال المهربة ولا نجحوا حتى اللحظة في إعادة الهاربين لمحاكمتهم، بل خرج علينا يوما وزير العدل الحالي ليردد مقولة التصالح مع النظام السابق، أي إفلات كل اللصوص من حساب المجتمع، وصارت العلاقة مع الفساد والمفسدين حجم ما سيدفعون ثمنا للإفلات من العقاب. حتى إن العدل فقد طريقه لمحاسبة قتلة المتظاهرين، وتخرج قيادات جهاز الشرطة براءة من كافة الاتهامات، ليزداد الاحتقان داخل المجتمع والإحساس بالإحباط وأن الثورة سرقت، والحقيقة أن استيلاء الإخوان على السلطة كان حلم يقظة ذهب بالعقول حال تحققه، فكان التمكين أولى لديهم من واجبات ومسؤوليات التغيير. وقائع انتخابات رئيس الجمهورية كشفت الخطيئة التي وقع فيها كافة المرشحين بالمشاركة في انتخابات الرئيس قبل وضع الدستور، ورفض محمد البرادعي المشاركة فيها، ولكن الرجل عاد من جديد ليعطي قبلة الحياة لكل من هزمتهم تطلعاتهم وتخلوا في سبيلها عن الثورة، وصار حالهم يردد "أنا الثورة والثورة أنا"، ولم يعدموا من تخدعهم الشعارات فتكونت من حولهم جوقة المنشدين وليس كتائب الثورة، تاريخ القادة لا يحسب بسنين السجن فهي لا تخلق ثائرا، ومانديلا حالة استثنائية وحاكم زوجته بعد خروجه من السجن بتهمة تربح مالي، وليس كل من حاول الاتجار بآلام الشعب وجمع الأموال لتتضخم ثرواته على حساب الثورة، يمكن أن يكون مانديلا مصر بل مصيره مصير زوجة مانديلا. كشفت مواجهات الجمعة 12 أكتوبر الماضية أن تنظيم الإخوان وحزبه لا رادع له وأن العنف أسلوب قرره في مواجهة القوى والتيارات الأخرى. واستدعت هذه الوقائع سؤالا حول قانونية هذه الجماعة، ومدى قانونية حزبها طبقا لقانون الأحزاب. ويلفت النظر أن رئيس لجنة الأحزاب المستشار الغرياني كان أحد الأسماء التي سعت جماعة الإخوان لترشيحها لمنصب الرئيس ولكنه رفض، وليجري اختياره لمنصب رئيس الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ورئيس للمجلس القومي لحقوق الإنسان، وكأن مصر ليس فيها من الرجال غيره. كان مطلب التيارات المشاركة في جمعة الحساب هو حل الجمعية التأسيسية للدستور وإعادة تشكيلها، وهو ما تعهد به الرئيس المنتخب، ولم يوف به، وهو أمر يثير الريبة أكثر من الثقة، ويؤكد أن قاعدة الاستحواذ هي أساس العلاقة بين الجماعة والمجتمع، وأضيف إليها العنف سبيلا لمواجهة أي معارضة. قراران أصدرهما الرئيس المنتخب وتراجع عنهما، ولكنهما كشفا أن هناك مشكلة عميقة في مؤسسة الحكم. القرار الأول كان دعوة مجلس الشعب للانعقاد في مخالفة واضحة لحكم المحكمة الدستورية، والتي تصدت لقرار الرئيس ليتراجع الأخير. والقرار الثاني بتعيين النائب العام سفيرا بالفاتيكان، ويرفض النائب العام بناء على القانون الذي يمنحه حصانة البقاء في منصبه، ويتراجع الرئيس، وتصدح أبواق إعلام الرئاسة بأن الرئيس قبل التماسا من مجلس القضاء الأعلى ومن النائب العام، ولكن الحقيقة أن هناك خللا في استيعاب دور الرئيس بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأن آلية استصدار القرارات الرئاسية بها عطب وانعدام للخبرة. يقول الدكتور فاروق الباز عالم الجيولوجيا والخبير بوكالة ناسا للفضاء "وارد أن تخطئ وأنت على الطريق الصحيح، ولكنك تراجع نفسك وتصحح الخطأ" ويكمل "تكرار الخطأ هو أكبر الجرائم في تاريخ البشرية، هو الجريمة الحقيقية"، ويوضح "أنه من دون رؤية وأهداف واضحة يجتمع عليها الشعب لا طائل من الحركة العشوائية". تكرار الأخطاء والتصدي بالعنف للمتظاهرين من عناصر الإخوان، وإصابات ودم وتكسير منصة بالتحرير واحتراق سيارتي أتوبيس، بينما تعرض مسودة دستور للنقاش العام، يقول بأن مصر تنقسم بينما هي في حاجة إلى إرادة مكتملة لإقرار دستورها الجديد. الحديث عن تيار إسلامي له مشروع سياسي، حديث لا سند له في الواقع سوى تكفير كل من هو خارج تنظيماتهم. وتحتاج مصر إلى رؤية اقتصادية واجتماعية وأن تكون دولة الدستور والقانون والتقسيم إلى إسلامي وعلماني محض افتراء. وتهديدات التنظيمات المتأسلمة بالجهاد إن لم ينص بأن أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع، هي دعوة للاقتتال. المواجهة قادمة إن لم يتدارك الرئيس المنتخب أمر الجمعية التأسيسية، والسبيل إلى ذلك مؤتمر للحوار الوطني حول الخيارات الاقتصادية والاجتماعية ومفهوم الأمن القومي، وإصدار قانون العدالة الانتقاليه لمحاسبة المسؤولين عن إهدار دم الشعب. صبر الشعب وصمته، لا يعني قبوله بجسر الدم للعبور إلى مجتمع الثورة، وإن كان لا يخشاه.