13 سبتمبر 2025

تسجيل

لغة الأوراق : البراغماتية الراشدة

15 يوليو 2018

خلال مقالٍ لها بموقع المجلس الأطلسي بتاريخ 21 مارس المنصرم ، طالبت كيلسي ليلي إدارة الرئيس ترمب بتسريع تطوير العلاقات مع السودان مستندةً لموقعه الإستراتيجي ولمصالح أمريكا معه . وعددت المديرة المساعدة لمركز أفريقيا بالمجلس ضلوع السودان في القضايا الإقليمية ( من خلال الروابط العميقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بالشرق الأوسط ) . وطبيعي أن لا تغفل الكاتبة القضايا الإقليمية الساخنة شأن سد النهضة ، ومشاركة السودان في عاصفة الحزم ، وواقع جنوب السودان ، لتخلص إلى أن السودان (معدٌ للتأثير سلباً أو إيجاباً على هذا الإقليم المضطرب ) على حد قولها . والسودان هو الأكثر إدراكاً لذلك الإطار وللتفاصيل الدقيقة بداخله .. والإطار وتفاصيله أوراق ، وهواجس الإقليم أوراق وحادثات الإقليم .. وكله بعضٌ من كلٍّ ، غالبه ما يزال طيَّ الكتمان كمثل مخطوطةٍ في قاع جبٍّ في مَوماةٍ يضلُّ فيها الخِرِّيت .. وكله بيد دوائر صناعة وإنفاذ العلاقات الخارجية السودانية تمسك به في تعاملها مع الآخر - كائناً من كان ذلك الآخر . و الدوائر تدرك أنه أوان بعض ما بيدها عبر براغماتية راشدة لا تسفه القيم ولا تنحاز للأنا الهلوع الراعشة . وعندالخرطوم تتناهى الخيوط ويفد الواجفون ينتظرون كلمتها الفيصل ، وفي فمها ألف كلمةٍ فيصل تملكها لتجعل أيٌّ منها الإقليم يقف على أمشاطه ! .. تتعقد خيوط سلام جنوب السودان لتخلص الإيقاد وموسفني وربيكا قرنق ولام اكول وسلفاكير ومشار إلى أن أوراق الخرطوم هي مفتاح السلام .. والبشير يغادر لعنتيبي لمتابعة سلام الجنوب وفي الخطوة أكثر من مغزى وأكثر من رسالة . والقارة الأم هي أول من سفه أحلام الجنائية قبل أن تقاطع أميريكا اجتماع مجلس الأمن بمناسبة الذكرى العشرين لميثاق روما.. وقبل ذلك هالت قرارات قادة أفريقيا التراب على المبنى الفخيم في لاهاي وهم ينصاعون طوعاً لمقررات اتحاد أفريقيا القوي المتماسك . وعندئذٍ يدرك العالم أن اتحاد القارة العجوز خارج التاريخ وهو يهذي خطرفةً وهو يجترُّ الحسرات أسفاً ودول أفريقيا تستعصم بعريكةٍ عصيةٍ على الترغيب والترهيب تسفيهاً لتخرُّصات المحكمة .. طرفٌ قديمةٌ لم تعد تضحك حتى بن سودا .. وأوراق السودان بالقارة السمراء تدار بذكاءٍ يقزِّم ألاعيب الالتفاف ويؤكد أن أقصر الطرق هي التي تستريح قوافلها بين النيلين . وخلال مقالها تُذكِّر السيدة كيلسي إدارتها بساحل السودان على البحر الأحمر وبأهمية بورتسودان ، وعند سواكن الميناء والجزيرة يتعالى الصخب جرَّاء ورقةٍ هي بعض كثير لا تفتضحه فنارات السفن ولاشمس الصيف السافرة ..وسواكن تردد : وكنتُ إذا يَمّمْتُ أرضاً بَعيدَةً سرَيتُ فكنْتُ السرّ واللّيلُ كاتمُهْ ويوم انتظروا صعود الديقراطيين كنا نتحرى الجمهوريين أن يمثلهم ترمب أو خلافه ، ونعلم أن آيديولوجيا الديمقراطيين هي ما لخصه هينري كيسنجر كوصفةٍ ( تؤخذ حرفياً أو تترك ) ولا مجال لأنصاف الحلول .. قلنا أن تنميط العالم عبر القيم الغربية هو الفوضوية بعينها ، وأن الجمهوريين براغماتيون يرعون مصالحهم وحسب . وبراغماتية الجمهوريين هي من يصغي لأمثال كيلسي ، واليكس دي وال ومحمود محمداني ، ويشيح عن أمثال برندر غاست وعن فهاهات صبية اللجوء . والخلاصة هي قناعة إدارة ترمب بأوراق السودان . وشأن سد النهضة ليس ببعيدٍ. وما بين البنك الدولي والشركات الاستشارية والعاطف والمعطوف يمضي الحرد ليبلغ قصيَّ العوالم فيما تقلب الخرطوم أوراقها تدبراً بين الأعوام 1929 و 1959 وحتى عنتيبي على هدى من البراغماتية الراشدة ، وهي تعلم أن الشكيمة عند ( توتي ) والتلابيب مقبضها الملتقى. وحتم المنطق أن تلتئم عندها الأطراف مثلما يلتئم النيلان هناك . وسلام الجنوب يعبر .. والمزيد من القوافل يرشدها الدليل أن تحط رحالها في الخرطوم ..وحول الطاولة تتحلق الأعين الواجفة والأكف الراجفة تنتظر ورقة السودان القادمة ..أما المنتظر من فريق صياغة وإنفاذ العلاقات الخارجية الخبير المثابر المسلح بالجرأة العلمية والنظر الثاقب فهو أن ينتهج البراغماتية الراشدة ، وأن يلعب أوراقه لا يحرفنَّه حارفٌ عن المثل السوداني ( اللي تغلبو ألعبو ) بمعنى أن تلاعب الآخر بما يكفل لك بلوغ المقاصد .. والخرطوم سوف تمكر ، لكنه المكر الحسن .. وهي سوف تكيد ، لكنه الكيد الحسن أيضاً.