11 سبتمبر 2025

تسجيل

فارس.. بيّاع الورد

15 يوليو 2015

إنها الحرب.. لا تستبعد أي شيء في طريقها الطويل، ولا تستريح طالما وجدت حطبها ونارها والمستفيدين من أوراها، وفي كلّ محطّة في جحيمه ثمّة علامة وقف، نقف فيها مع أنفسنا متعثرين بعجزنا الذي يكبر يوماً بعد يوم.فارس الطفل الأنيق ابن الثانية عشرة، هرب من الدمار والقتل إلى بيروت، بائعاً للورد بدل أن يذهب إلى المدرسة، عرفته بيروت وشوارعها يبيع الورد للعابرين كأطفال الشوارع في المدن التي تدوس البراءة دون أيّ اكتراث، ولكنّ إرادة الحياة أكبر، وكلّ من عرف (فارس) عرفه أيقونة للجمال والبراءة في تهذيبه وخفّة دمه، وتعفّفه عن إكراميات المشترين، الطفل الرجل الذي يعيل أسرته في قرية بعيدة من إحدى قرى منطقة الجزيرة السورية، التي تتصارع عليها كلّ القوى المتناسلة عن هذه الحرب. الحرب التي كان فارس أحد ضحاياها قبل يومين، حين عاد إلى أهله وتعرضت قريته لقصف من طيران التحالف فقتل فارس مع من قُتل.قبل أكثر من ثلاثين سنة وقبل أن ينتقل إلى البحث الفكري كتب الناقد والمفكر السوري جمال باروت "الشعر يكتب اسمه" وبخطاطة على الغلاف اختارها من نص لعادل محمود وجاء فيها:"عمي إيفان/ بياع الورد/ الذي يؤكد أن مئة عشق ممكن/ ومئة يأس ممكن/ ومئة موت ممكن" أحببت النص لاستحضاره أغنية شعبية عراقية "عمّي يا بياع الورد" وظلّ النصّ في ذاكراتي حتى الآن، وهاهو فارس بيّاع ينثر وروده فوق موقد الحرب، الحرب التي وقف العالم يتفرّج علينا، ونصف سكان سورية باتوا نازحين، وأكثر من مليون شخص بين قتيل وجريح ومعتقل، ولم يبق برميل ولا سكود ولا ساطور ولا هاون إلاّ وجرّب قوته فينا. أطفال سوريّة لم يعرفوا أحقاد الطوائف والملل والنحل والإثنيات العرقية، مازالوا كما يقول الدرويش في محمد الدرة وعلى لسان القاتل:"سأتركه ريثما يتهجى فلسطينه دونما خطأ/ سوف أتركه الآن رهن ضميري/ وأقتله، في غد، عندما يتمرد". سيمضي فارس سريعاً من ذاكرة الحرب الدائرة المشغولة بالكرّ والفرّ والمؤتمرات الدولية، سيمضي سريعاً بسرعة دبول وروده الحمراء في شارع الحمراء، وسيأتي أطفال آخرون يبيعون الورد مكانه، سوريون بالتأكيد، ويتبادل القتلة إشارات النصر والتعليقات الساخنة في نشرات الأخبار. ولا عزاء للطفولة.